الأثر الاقتصادي لتخفيض السعودية إنتاجها من النفط؟ «3»
منذ بدايات إنتاج النفط، لم يكن هناك جدال حول أن هذا الريع لا يغني عن التنمية والنمو بل ينبغي أن يوظف لتحقيق الاستدامة، وأن التنويع الاقتصادي هو ضرورة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي عبر تنويع إيرادات الخزانة العامة التي بوسعها الإنفاق على التنمية الاجتماعية وعلى زيادة سعة الاقتصاد عبر الاستثمار في البنية التحتية وفي تطوير عناصر الإنتاج ولاسيما المورد البشري لدعم احتياجات سوق العمل ولتأسيس منشآت أعمال جديدة تلبي الطلب وتعزز الميزان التجاري. ولذا فقد كانت من أول مبادرات الملك المؤسس في هذا المجال دعوة مجموعة من الخبراء في الأربعينيات من القرن الماضي لدراسة الأوضاع واقتراح مشروعات تنموية، وقد أعطى الملك المؤسس أولوية مطلقة لربط جنبات المملكة بشبكة طرق وشبكة لاسلكي على سبيل المثال لا الحصر.
وعندما انطلقت الخطط الخمسية في بداية السبعينيات، كان تنويع الاقتصاد وتنمية الموارد البشرية المحلية هدفين رئيسين، وكان هناك انطلاقة هائلة في تعزيز سعة الاقتصاد السعودي تمخضت عن بناء بنية تحتية أحدثت نقلة نوعية، وأنشأت الصناديق التنموية، إضافة إلى مجموعة من المبادرات النوعية نقلت الاقتصاد السعودي إلى آفاق جديدة لاسيما في الصناعة التحويلية غير النفطية.
ثم ما لبثت أن أخذت أمواج سوق النفط تتلاطم لاعتبارات جيوسياسية عالمية، وأثر ذلك على الاستقرار النسبي الذي كانت تعايشه سوق النفط لفترات ممتدة. وتلقى الاقتصاد السعودي نتيجة لذلك هزات أدت إلى إحداث فجوة مالية، أخذت في الاتساع حتى تجاوز - في بداية التسعينيات - مجموع الدين العام من حيث القيمة ما يوازي قيمة الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وأخذت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في التراجع بالتدريج حتى وصلت إلى ما دون 2 بالمائة في العام 2014، وفقاً لإحصاءات البنك الدولي.
ما يستفاد مما سبق أن الرغبة كانت دائماً حاضرة لتنويع الاقتصاد، لكن كان لكفاية الإيرادات النفطية ما يقارب“حق النقض”في تنفيذ تلك الرغبة، لسببين رئيسين: «1» أن جانب الإيرادات من الميزانية العامة كان - من حيث البناء والهيكلية - نفطياً ما جعل سواه هامشياً، أي أن إيرادات الخزانة كانت تعتمد على الريع ولم تبذل جهداً محوكماً لتنمية الإيرادات غير النفطية، وبالنتيجة فكان لإنفاق الحكومة سقفاً يحدده ريع النفط، «2» في حال الاضطرار، أي في حال قصور الإيرادات النفطية عن تغطية الإنفاق الضروري، تلجأ الخزانة العامة إلى الاقتراض ليس بالضرورة لتغطية الإنفاق الرأسمالي، ما جعل لذلك بصمات متأرجحة يعكسها الإنفاق الرأسمالي «تكوين رأس المال الثابت» هبوطاً وصعوداً، ما أثر على سعة الاقتصاد وعلى تحديث البنية التحتية، وبالتالي على متطلبات وممكنات تنويع الاقتصاد. ولابد هنا من الاستدراك بالقول، أن ثمة عامل كان حاضراً طوال الوقت وهو المؤثرات الجيوسياسية التي لم تنفك برهةً عن التأثير على اقتصاديات النفط عالمياً بما في ذلك جهود وكالة الطاقة الدولية“المتأبطة شراً”للنفط وكل ما يتصل به، وكذلك على جاذبية المنطقة للاستثمار الأجنبي وما يجلبه من تقنيات تساهم في نمو القطاعات غير النفطية وتفسح أسواقاً للتصدير تعزز ميزان المدفوعات. «يتبع»