كيف تدفعنا سيكولوجية ”الوكزة“ إلى اتخاذ خيارات افضل من الناحية الصحية
يوليو 24,2024
المترجم: عدنان أحمد الحاجي
المقالة رقم 159 لسنة 2024
For our own good: how the psychology of “nudging” pushes us to make healthier choices - and raises ethical dilemmas
July 24,2024
في 13 مايو 2021، عقد بيل دي بلاسيو، عمدة مدينة نيويورك آنذاك، مؤتمرًا صحفيًا على الإنترنت حيث أعلن عن اتفاقية مثيرة للاهتمام بين مدينة نيويورك وسلسلة مطاعم البرغر Shake Shack شيك شاك. وكان الهدف هو تحفيز سكان نيويورك على التطعيم ضد كوفيد-19، وذلك بحصول كل فرد تم تطعيمه على قسيمة شراء شطيرة برغر مجانية في أي من مطعم من مطاعم السلسلة المحلية. في العلوم السلوكية، يُعرف هذا النوع من الحوافز باسم ”الوكزة [1] “.
وقد روج لهذا المصطلح ريتشارد ثالر Richard Thaler «الحائزعلى جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية لعام 2017» وكاس سنشتاين Cass R. Sunstein في كتابهما الأكثر مبيعًا لعام 2008 ”الوكزة: تحسين القرارات المتعلقة بالصحة والثروة والسعادة“ [1] . في جوهرها، تنطوي ”الوكزة“ على أي تغيير «تأثير أو تحايل» [3] في بيئة اتخاذ القرار لتوجيه الناس في اتجاه نافع لهم، ولكن بدون الحد من خياراتهم أو وضع قيود على حريتهم في الاختيار بأي شكل من الأشكال.
أحد الأمثلة المعروفة لتحسين عادات الناس بطريقة الوكزة هذه يمكن الإطلاع عليه في كافتيريات موظفي قوقل Google. في محاولة لتحسين العادات الغذائية، وُضعت قوارير المياه على مستوى العين في آلات الصرف الداتي vending machine للمواد الغذائية المتوفرة في الكافتيريا، ووضع المشروبات الغازية وغيرها من الخيارات ذات السعرات الحرارية العالية في مكان غير بارز في نفس الآلة. لقد نجحت الحيلة «الوكرة»، حيث أدى هذا الإجراء البسيط إلى زيادة شرب الماء بين الموظفين بنسبة 47%.
وهناك مثال مماثل آخر على الوكزة وهو وضع سلم «درج» تفاعلي بحيث تضيء كل درجة من درجاته أو تعزف نغمات بيانو عند وضع القدم عليها. غالبًا ما يختار الناس استخدام هذه السلالم حتى عندما يكونون بالقرب من المصعد الكهربائي مباشرةً.
القرارات الإرشادية - معضلة أخلاقية
تؤثر الوكزات في سلوك الناس وذلك بإغفال أو بتجاهل استقلاليتهم الذاتية إلى حد ما. أطلق ثالر وسنشتاين على هذه المقاربة اسم ”الأبوية التحررية“ [4] .
ولكن هل التدخل في قرارات الناس لتحسين رفاهيتهم وصحتهم قرارًا مشروعًا من الناحية الأخلاقية؟ ويعتقد أنصار الأبوية التحررية ذلك، وخاصة عندما تتمكن من منع حدوث مشكلات تتعلق بالصحة العامة أو المساعدة في حلها، مثل أمراض السمنة والإدمان والخمول والإفراط في العلاج أو التفريط فيه.
تهدف العديد من الحملات الترويجية [5] إلى دفع الناس نحو اتباع نظام غذائي أكثر صحة - على سبيل المثال، قدمت المقاصف المدرسية في ولاية كونيتيكت للطلاب تفاحًا بالمجان لتشجيعهم على أكل الفواكه. وفي مدينة بوينس آيرس، في الأرجنتين، رفعت المطاعم عبوات رش الملح من على طاولات المطاعم للحد من استهلاك الملح [6] .
هذه الأمثلة تثبت كيف أن ”الوكزة“ لا تفرض قرارًا على الناس. لا يزال العاملون في قوقل يتمتعون بخيار شرب المشروبات الغازية بدلاً من الماء إن رغبوا في ذلك، وبإمكان الناس تجاوز استخدام السلالم الموسيقية إلى الصعود عن طريق المصعد الكهربائي.
وهنا يأتي العامل ”التحرري“، حيث يجب أن تظل حرية الاختيار دون تغيير أو التلاعب فيها. وهذا يعني ما يلي وفقًا لثالر وسنشتاين:
1 - لا يمكن منع أو حجب أي خيار شخصي.
2 - لا يجوز استخدام الحوافز الاقتصادية لإضعاف حرية الإختيار فلا بأس بتناول شطيرة همبرغر مجانية كحافر «وكزة»، ولكن ليس شيكاً بمبلغ 100 يورو «كوكزة»
3 - يجب أن تكون جميع الخيارات متاحة تحت ظل نفس الشروط «الحالات». إذا كان أحد الخيارات المرغوب متاحًا ورخيصًا، فيجب أن تكون الخيارات الأخرى كذلك.
درج في مدينة سيدني الاسترالية تعزف كل درجة فيه موسيقي لو وضعت الرجل عليها
وكزات الرعاية الصحية: توجيه القرارات السريرية والصحة العامة
في إطار الرعاية الصحية، يمكن تصنيف الوكزات إلى فئتين: ”وكزات سريرية“ أو ”وكزات صحة عامة“.
الوكزات ”السريرية“ محلها السياقات والأطر السريرية، وتتضمن على وجه التحديد الطريقة التي تُقدِم المعلومات عن علاج معين لتشجيع المريض على منح موافقته عليه - ومن الأمثلة على ذلك ذكر معدل نجاح العلاج له وليس معدل فشله. تُستخدم الوكزات السريرية دائمًا لصالح المريض.
ومن ناحية أخرى، حوافز ”الصحة العامة“ تبعث على اتخاذ الفرد إجراءات لتحسين مستوى الصحة لديه. بهدف تحسين صحة السكان ككل. قد يشمل ذلك الطلب من مقاصف المدارس العامة تقديم اللحوم أو الأسماك مع السلطة كخيار أولي، أو مع رقائق البطاطس كخيار ثانوي لو طُلب.
وكلاهما من التدابير غير القسرية بالنسبة للمريض. التدابير الأكثر صرامة، مثل حجز السكان في منازلهم لمنع انتشار المرض، يعتبر تدبيرًا من تدابير الصحة العامة، ولكنها قد تذهب هذه التدابير إلى ما هو أبعد من مجرد وكزة بسيطة. ويمكن قول الشيء نفسه عن الحجر «الإيداع» القسري لشخص يعاني من أفكار انتحارية في مستشفى الحة النفسية [7] : وهو إجراء سريري، لكنه لا يترك أي مجال لحرية الاختيار.
الوكزة وضعت من أجل المصلحة الفردية - ومصلحة المجتمع ككل
الانتقادات التي تتعرض لها الأبوية التحررية اعتبرت أن وضع هذه الوكزات البسيطة في سياق الرعاية الصحية من شأنه أن يعرِّض مبدأ الاستقلالية الذاتية [8] للخطر. من المثير للجدل ما إذا كان مثل هذا النقد يحمل نفس الإعتبار في سياق الصحة العامة، حيث غالبًا ما يأتي مبدأ الاستقلالية الأخلاقية البيولوجية [9] في المرتبة الثانية بعد مبادئ العدالة الجماعية [10] أو مبدأ المنفعة.
وفي مجال الصحة العامة، من الممكن أن تعمل الوكزات كبديل لطيف لتوجيه اختيارات الناس، وبالتالي تجنب فرض قيود أكثر صرامة على الحرية الشخصية، كالحد من حرية الحركة.
قدمت الجائحة الأخيرة بعض الأمثلة على ما يمكن اعتباره ”وكزات“ ومن الأمثلة البارزة على ذلك وضع حاويات معقمات الأيادي في مكان بارز في المطاعم، والسوبر ماركت، وفي أي مكان عام مغلق آخر. ومن الأمثلة الأخرى على ذلك رسائل التذكير بمواعيد التطعيم، أو الحملات التي تتضمن نقاط تطعيم متنقلة.
الكثير من الإجراءات الأكثر صرامة للحد من انتشار العدوى تمس بحرية الناس، ولا يمكن اعتبارها وكزات للصحة العامة - لبس الكمامات الإجباري، سواء في داخل الأماكن العامة أم في الشوارع، وفحص درجة الحرارة عند دخول أماكن معينة، ومنع المصابين بالحمى من الدخول، وضرورة فحوصات الفيروس آلتاجي PCR قبل السفر إلى خارج البلاد، وما إلى ذلك..
ولهذا السبب تعتبر الوكزات أداة قيمة - فهي تحقق أهداف الصحة العامة دون المساس بالحرية الشخصية للفرد. وفقط عندما تفشل الوكزات [اللطيفة]، يصبح من المنطقي التصعيد إلى تدابير أكثر صرامة وتقييدًا للحريات. وطالما أن الوكزة قادرة على تحقيق أهدافها، فإنها تبدو وسيلة معقولة لتجنب الحد من الحريات الشخصية.
المؤلفون
رامون أورتيجا لوزانو، أستاذ علم الأحياء، الأنثروبولوجيا للصحة والاتصالات الإنسانية، جامعة نبريا في مدريد
أنيبال م. أستوبيزا، باحث ما بعد الدكتوراه، متخصص في العلوم المعرفية والقواعد التطبيقية، جامعة أقليم إلباسك
ديفيد رودريغيز أرياس، أستاذ في علم الأحياء، جامعة غرناطة