آخر تحديث: 4 / 12 / 2024م - 11:15 ص

سجال ثقافي أم فوضى؟!

محمد الحرز * صحيفة اليوم

السجال الثقافي بمفهومه الجدلي العام في المملكة، لا معنى لخفوته أو العكس في ارتفاع وتيرته، ما دامت اللحظة الراهنة للحياة الثقافية تعيش فترة من التحولات على جميع الصعد والمستويات.

وهذا يعني فيما يعنيه امتناع حدوث أي سجال ثقافي حول قضايا ثقافية أو فكرية وأدبية سواء على مستوى الشأن العام أو الخاص، لأن الهم الأكبر الذي يرتبط بعقول وأذهان الفاعلين في الساحة هو تحقيق تحولات رؤية المملكة، وهو همٌّ أوجد مناخا ثقافيا مختلفا عما كان سائدا قبل الرؤية، فتنظيم الثقافة على مستوى المؤسسات الرسمية ومن ثم إعادة هيكلتها بما يتوافق مع الأهداف الكبرى للرؤية، والتي من ضمنها الانفتاح على ثقافات العالم من جهة، وإبراز الثقافة التاريخية والاجتماعية للمكونات البشرية في المملكة من جهة أخرى، فتح الباب على مصراعيه للمثقفين والمبدعين في جميع أنحاء المملكة ومن ورائهم المسؤولين عن الثقافة في الانخراط في تحقيق هذه الأهداف، كلا حسب طريقته وإمكانياته ومن موقعه واهتماماته، وكأن ثمة اتفاق ضمني على حقيقة كانت مغيّبة عن الأنظار مفادها: ثمة كنوز تاريخية وثقافية يمتلكها البلد وأبناؤه، لم يتم الالتفات لها، وقد حان الآن الاهتمام بها وإبرازها كهوية ثقافية واجتماعية وتاريخية.

لذلك، وفق هذه النظرة ينتفي السجال الذي يقود إلى الاختلاف، وبالتالي كل وجهة نظر يطرحها مفكر أو مثقف أو مبدع تقضي إلى الاختلاف الجذري حول قضايا ثقافية تمس التحولات لا معنى لها، إذا لم تكن هناك حاضنة تساهم كثيرا في إنتاجها ضمن سياق خطاب نقدي يمكن له أن يتشكل على هامش الرؤية.

غياب هذه الحاضنة أو حضورها بفعالية وقوة، هو الشرط المهم في تطور أي سجال ثقافي، ومن ثّمَ تحوّله إلى خطاب نقدي يدعم أي حراك ثقافي أو اجتماعي أو حتى سياسي، وهذا هو الطريق الوحيد الذي يعطي للسجال الثقافي قيمة ومركزية لأي ثقافة تنشد الفعالية والتأثير والمستقبل.

والمشهد الثقافي في المملكة يمتلك جميع المقومات التي تجعله في حراك وسجال دائم، يكفي أن نجيل النظر في عالم السوشيال ميديا حتى تقع على حقيقة مثل هذا الحراك، لكنه في الأغلب حراك لا يفضي إلى سجال ومن ثم إلى خطاب نقدي يبرز فيه قوة الثقافة بالمملكة، بل حراك يفضي إلى الحديث عن صغار الأمور في الثقافة، أبرز صورها المجاملات والاستعراض للمنجز الذاتي حد النرجسية وتضخم الأنا.. ألخ.

وإذا ما تم استثمار هذا الحراك بالشكل الذي يؤدي إلى تفعيل الخطاب النقدي، فسنقول أننا في طريقنا كي نمتلك نظرية نقدية في الثقافة، وفي ظني سؤال الاستثمار ينبغي أن يتحول إلى قضية رأي عامة يساهم في مقتراحته جميع فئات المجتمع، مع إيماني هنا بدور النخبة المثقفة كأولوية قصوى.

طبعا.. لا يمكن إغفال الدور الكبير الذي كانت تلعبه المنابر الثقافية والدينية في الجامعات ونوادي الأندية الأدبية والمساجد في إحداث نقاشات عامة، لكن دورها مقارنة بدور شبكات التواصل الاجتماعي بدأت تقل فاعليته، وهذه أزمة عالمية وليست محلية، وقد قرأت تغريدة للناقد سعد البازعي عن تساؤلاته لماذا لا نرى إعلامنا يغطي مناقشة رسائل الماجستير والدكتوراه في جامعاتنا، خصوصا إذا كانت هذه الرسائل تتعلق بشخصيات أو قضايا لها تأثير في ساحتنا الأدبية والثقافية.

لكن في ظني من السابق لأوانه أن نتأمل في اللحظة الراهنة نتائج سريعة التأثير، لأن استجلاب أحدث القضايا الفلسفية والسعي إلى مناقشتها في أجوائنا الثقافية ومدننا أيضا لا يحدث اختراقا في طرق التفكير والنظر إلى الأمور من زاوية مختلفة، وهذه إحدى أهم وظائف الفلسفة، فهذه تحتاج إلى تراكمات ومدة زمنية لا يستهان بها، علاوة على ذلك إذا لم تؤصل من خلال الخطاب الفلسفي إلى واحدة من قضاياك التي تمس مجتمعك من العمق، وإلاّ يبقى الخطاب الفلسفي تأثيره سطحيا ولا يتجاوز الخطاب الإعلامي.