”الأكسجين المظلم“ في قاع المحيط قد يعيد كتابة سردية أصل الحياة على الأرض
عُقيدات المنغنيز في أعماق المحيط قد تنتج الأكسجين دون الحاجة إلى ضوء الشمس.
22 يوليو 2024
المترجم: عدنان أحمد الحاجي
المقالة رقم 156 لسنة 2024
”Dark oxygen“ on ocean floor may rewrite Earth"s origins of life
July 22,2024
تكوينات عُقيدات المنغنيز على عمق 20 ألف قدم تحت سطح المحيط.
أحد الأشياء التي تعلمتها في مادة العلوم لما كنت في المرحلة الابتدائية - الأكسجين الضروري لاستمرار الحياة على الأرض ينبعث من النباتات والطحالب أثناء عملية التمثيل الضوئي التي تستخدم مزيج من ثاني أكسيد الكربون وأشعة الشمس. لكن الاكتشاف الأخير لما يسميه الباحثون ”الأكسجين المظلم“ قد يقلب المفاهيم التقليدية رأسًا على عقب لإنتاج هذا العنصر الضروري جدًا للحياة - وما قد يعنيه ذلك بالنسبة لأصل الحياة [1] .
وفقا لدراسة [2] نشرت في مجلة نيتشر علوم الأرض Nature Geoscience في 22 يوليو 2024، يبدو أن الرواسب المعدنية الطبيعية المعروفة باسم عُقيدات المنغنيز [3] في قاع المحيط قادرة على انتاج الأكسجين دون الحاجة إلى أي مصدر ضوء [4] . هذه العُقيدات توجد على عمق 20 ألف قدم تحت سطح المحيط وتتراوح في الحجم بين جسيمات إلى عُقيدات كبيرة بحجم يد إنسان. ولأنها تحتوي على مزيج من الكوبالت والنحاس والليثيوم والمنغنيز، فقد كانت شركات التعدين بشكل عام تتطلع إليها منذ فترة طويلة كمصدر محتمل غير مستغل للمعادن الثمينة والمرغوب فيهالإنتاج البطاريات وغيرها من الأجهزة الإلكترونية [5] . ولكن على الرغم من أنها قد تكون مربحة للاستخدامات الصناعية، إلا أنها تبدو أكثر أهمية للحياة داخل النظم الإيكولوجية للمحيطات [6] .
عقيدات المنغنيز التي جمعت من قاع المحيط موضوعة في حوض ماء يحاكي ماء بحر في مختبر الكيميائي فرانز جيغر في جامعة نورث وسترن
المؤشرات الأولى على حدوث شيء غريب ضمن عُقيدات المنغنيز منذ أكثر من 10 سنوات في المنطقة الشمالية الشرقية من المحيط الهادئ كانت أثناء قيام أندرو سويتمان Andrew Sweetman، من الجمعية الاسكتلندية للعلوم البحرية «SAMS» برحلة استكشافية لأخذ عينات من سلسلة التلال البحرية الجبلية بالمنطقة المعروفة باسم منطقة كلاريون - كليبرتون Clarion-Clipperton، حيث لاحظ قراءات غريبة على أجهزة الاستشعار.
يقول سويتمان في تصريح له أثناء رحلته: ”عندما حصلنا على هذه البيانات لأول مرة، اعتقدنا أن أجهزة الاستشعار كانت متعطلة لأن كل دراسة أجريت في أعماق البحار لم تشهد سوى استهلاك أكسجين لا إنتاجه“. ”كنا نعود إلى المختبر ونعيد معايرة أجهزة الاستشعار، ولكن على مدار 10 سنوات، استمرت القراءات الغريبة لمستوى الأكسجين في الظهور.“ وبعد التحقق مرة أخرى من النتائج باستخدام مجموعة أجهزة استشعار مختلفة، عرف سويتمان وفريقه أنهم كانوا ”على وشك اكتشاف شيء رائد وغير مسبوق ولم يدر في خلد أحد.“
في عام 2023، اتصل سويتمان بخبير الكيمياء الكهربائية بجامعة نورث وسترن فرانز جيغر Franz Geiger وأخبره عن هذه الأمارات الغريبة وأرسل له عدة أرطال من عقيدات المنغنيز. عملية التحليل الكهربائي «الكهرلة» [7] ، [وهي عملية يستخدم فيها التيار الكهربائي لبدء تفاعل كيميائي] لا تحتاج سوى 1,5 فولت فقط لبدء تفاعل كيميائي في ماء البحر. وبعد ملامسة أجهزة الاستشعار لعُقيدة منغنيز واحدة، اكتشف سويتمان وجيغر جهدًا كهربائيًا يصل إلى 0,95 فولت. وزاد هذا الجهد الكهربي أكثر عندما وضعوا العُقيدات بالقرب من بعضها بعض، تمامًا كما تُصف البطاريات إلى جانب بعضها بعض.
يقول جيغر في تصريح له: ”يبدو أننا اكتشفنا بطارية جيولوجية طبيعية“. ”هذه البطاريات الجيولوجية هي الأساس لتفسير ممكن لإنتاج الأكسجين المظلم في المحيط.“
وجود هذا الأكسجين المظلم ومصدره المحتمل قد يعيد بالنتيجة كتابة سردية كيفية نشوء الحياة على الأرض. وكما بين سويتمان، فقد افترض الخبراء منذ فترة طويلة أن الحياة الهوائية «الأحياء التي تعيش على الأكسجين» على الأرض بدأت بسبب وجود الأكسجين المنبعث من الكائنات الحية التي تقوم بعملية التخليق الضوئي [8] ، كالنباتات والطحالب المبكرة [التي تعود إلى العصر الكامبري [9] ]. والآن بعد أن عرفوا أنه يمكن إنتاج الأكسجين حتى في أعماق المحيط المظلمة «التي لا يصلها الضوء»، قد تحتاج هذه النظريات القديمة إلى تحديث.
”أعتقد أننا... بحاجة إلى إعادة النظر وطرح أسئلة مثل: أين ربما بدأت الحياة الهوائية؟“ يقول سويتمان.
لكن عُقيدات المنغنيز ربما لم تساعد في بدء الحياة على الأرض فحسب، بل ربما هي أيضًا التي أبقتها مستمرة بالقرب من قاع المحيط. وهذا يطرح مشكلة كبيرة لو اعتبرت العقيدات موردًا من موارد التعدين الطبيعية المحتملة. ويوضح جيغر أثناء إعلان هذا الخبر في 22 يوليو 2024 أن التحليلات التي جرت في 2016 و2017 من قبل باحثين في الأحياء البحرية لمناطق أعماق البحار التي خضعت لأعمال التعدين خلال ثمانينيات القرن الماضي كشفت عن إجمالي المناطق الميتة التي تفتقر حتى إلى وجود بكتيريا.
يقول جيغر: ”سبب استمرار هذه“ المناطق الميتة ”لعقود من الزمن لا يزال غير معروف حتى الآن،“ ”ومع ذلك، فإن هذا يضع استراتيجيات التعدين في قاع البحر موضع شك، حيث أن التنوع الأحيائي «الحيواني» في قاع المحيط في المناطق الغنية بعقيدات المنغنيز أعلى منه في الغابات المطيرة الاستوائية الأكثر تنوعًا.“
ومن المؤسف أن كل هذا التنوع البيولوجي في أعماق المحيطات قد لا يعني الكثير بالنسبة للشركات التي تعتبر وجود عقيدات المنغنيز مصدر ثروة محتمل. ويشير جيغر إلى أن الكتلة الإجمالية لعقيدات المنغنيز في جميع التكوينات ضمن مساحة 4500 ميل مربع التي تشكل منطقة كلاريون - كليبرتون من المرجح أن تكون كافية لتلبية الطلب العالمي على الطاقة لعقود من الزمن. ولكن كما تثبت بالفعل أمثلة كثيرة، فإن تدمير نظام إيكولوجي واحد بعيد جغرافيًا قد تصل آثاره المميتة والخطيرة إلى مكان بعيد آخر.
”نحن بحاجة إلى إعادة النطر في كيف نستخرج هذه المواد، بحيث لا نستنفد الأكسجين الذي هو مصدر الحياة في أعماق البحار،“ كما حذر جيعر:.