آخر تحديث: 8 / 9 / 2024م - 12:11 ص

حبّي للحُسين مُخْتلِفُ

ليلى الزاهر *

في كلّ عام يتجدد الحزن على مُصاب أبي عبدالله عليه السّلام ولا أظنّه من باب العادات والتقاليد، أو أعدّه فلكلورا شعبيّا كما ينظر له البعض، ولا أخصُّ أحدا بعينه في هذا المقال لأنني أرى أنّ قضية الحسين أكبر من أن تُفنّد ببعض الكلمات، فضلا على أنّها مسؤولية فرديّة على الفرد الحصيف أن يتولّى البحث فيها بنفسه لتقوى علاقته بالحسين.

البعض ينظر إلى ظواهر الأمور كما لو كانت هي جواهرها وكنت أرفض ذلك، خاصّة عندما كنت أذهب مع أمي للمجالس الحسينيّة وأنا صغيرة.

كنتُ أحادثُ نفسي ماهكذا يكون الحُسين لابد أن يكون خلف هذا البكاء وهذا اللطم والعزاء أمور نجهلها، وبعد بضع سنوات رفضت الذّهاب مع أمي لتلك المجالس، تمرّدتُ أصبحتُ مثل شاعر لا يجيد الوصف إلّا عندما يدرك بجميع حواسه الجسديّة والنفسيّة أو يصفُ مايلامس روحه، أصبح لساني يتحدث بإيحاء من قلبي لذلك تمرّد عقلي وقال:

هل خُلقنا لنبكي على الحسين؟

ما الغاية من البُكاء؟

لابد أن أواجه عقلي بجميع صنوف الأسلحة العلمية الحديثة وغير النّمطيّة، وابتعد عن منهجيّة أمي في الولاء الحسينيّ.

بحثتُ في بطون الكتب بجميع أنواعها، أريدُ اليقين الحسينيّ، لم تمرّ برأسي شاردة ولا واردة في قضية الحسين إلا بحثتُ فيها.

بالاختصار كنتُ أجد نفسي مدفوعة إلى القلم والمُدونات التاريخيّة لأفسح مجالا لكلّ مايجيش في صدري من انفعالات لحبّ الحُسين الأزليّ، وأمحو ما يدور في رأسي من جميع التّصورات الناقدة لمراسيم العزاء والمآتم الحسينيّة.

واجهتُ، جادلتُ عقلي ولكن بالعلم والبحث وكما يقول الشاعر:

‏علمُ العليمِ وعقلُ العاقلِ اختلفا

‏من ذا الذي منهما قد أحرزَ الشّرفا

‏فقال العلمُ أنا أحرزتُ غايته

‏وقَالَ العقلُ أنا الرحمنُ بي عُرفا

‏فأفصح العلم إفصاحًا وقال له

‏بأينا الرحمنُ في قرآنه اتّصفا؟

‏فبان للعقلِ أن العلمَ سيده

‏فقبل العقلُ رأسَ العلمِ وانصرفا

توصلتُ بعدها لأمر مهم وهي أنّ قضيّة الحسين ليست إرثًا اجتماعيّا، وليست قصّة قديمة أُنْشِأت أحداثها منذ قرون ومازال آباؤنا يقصّونها علينا جيلًا بعد جيل إنّما الحسين قضية الإخلاص المحض، فحبّه لدين جده غير متصنع كبعض الذين عاصروه، وإلّا اكتُشف تصنعه ونسيه الجميع ونسوا دماءه الزّاكية، وبعيدًا عن العبارات الإنشائيّة الحسين ليس شهيدا فحسب فالكثير من الشهداء مضوا واندثر ذكرهم أو تُذكر أسماؤهم في بعض المناسبات الاجتماعيّة، بينما ذكر الحسين باقٍ على مختلف الأصقاع والأزمنة، لم يكن ذكره وقْتيّا في شهر محرم وإنما استحدث النّاس أوقاتا مُتعددة لذكره طوال العام.

فذكر الحُسين امتدادٌ لذكر جده رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ولا أدلّ على ذلك من حدث المُباهلة، وحديث الكساء فهو الرفيق والنديم لجده منذ صغره ولم تكفّ دموع رسول الله عن البُكاء عند رؤية سبطه سيد شباب أهل الجنة فكان أول الباكين عليه

أما أنا فقد كَبُرتُ ومازلتُ أبحث وكلما بحثت ازددتُ يقينًا ولشدّ دهشتني بمن يصف عاشوراء بمسمّيات لاتعطيها حقّها أرى حنجرته تنتفخ فيملؤها النقيق والمعذرة منه لأنّه لم يتعب ويبحث بنفسه عن الحقائق النّفيْسَة التي تزخر بها كربلاء الحسين ولو تكلّف عناء البحث عن سيرة كربلاء وصنيع الحُسين فيها لما تجرّأ عن قذف هذه الشعائر السماوية.

أو قد يكون بذل جهده في البحث عن قضايا أخرى تُعدّ مهمة بالنسبة له أهم من قضية الحسين وبدأ يهذي في أمور يفتقد فيها لقاعدة تؤهله للطرح والنّقاش.

إنّ جميع من كان بقلب الحدث الكربلائيّ هو قصّة طود عظيم، ولم يكن اجتماع هؤلاء القامات الكربلائية مع الحسين في أرض الطف عشوائيّا.

ولابد أن أهمس بأذن هؤلاء المتكاسلون عن البحث العلمي في قضية الحسين فأقول:

عندما يرتوي ظمؤكم المعرفي تجاه هذه القضية العظيمة سوف تصرخون:

واحرّ قلباه مما جرى على الحسين وأهل بيته!

وربما تشعرون وأنتم تستمعون لمصابه بأنّ السّماء سقطت من فوقكم والأرض هبطت بكم إلى سابعتها، والكواكب اندثرت من منظومتها لمصاب أبي عبدالله سبط نبي الرحمة وسيد الكونين.

مما لاشكّ فيه أنّ اليوم الذي قُتل فيه الحسين وأهل بيته وأصحابه ومُثّل بجسده هو يوم عظيم الشأن عند مُختلف المسلمين في جميع بلدان العالم فانتهاك حرمة الدماء جرم عظيم لايمكن التغاضي عنه.