آخر تحديث: 8 / 9 / 2024م - 12:11 ص

جزيرة تاروت مهد الحضارات وتاريخ أقدم إستيطان في الجزيرة العربية

فاطمة لطفي آل ربح

المقدمة

تعتبر جزيرة تاروت واحدة من أقدم المستوطنات في الجزيرة العربية، حيث تحتضن تاريخًا عريقًا وثقافة عميقة تعود لآلاف السنين. تُظهر التنقيبات الأثرية في تل تاروت أن الاستيطان فيها بدأ منذ الألف الخامس قبل الميلاد وهذا يجعلها نقطة انطلاق مهمة لدراسة تطور الحضارات القديمة في المنطقة. تتنوع المعالم الأثرية. في هذا المقال سنستعرض جزءاً من تاريخ جزيرة تاروت وآثارها، ونناقش بعضاً من أهم الاكتشافات التي ساهمت في فهم أبعاد هذا الموقع التاريخي.

قلعة تاروت:

قلعة تاروت تقع في وسط مدينة تاروت نفسها، في الطرف الشمالي الغربي من حي الديرة. تحتل القلعة قمة تل أثري مرتفع وبارز، مكون من خليط من الطين والأتربة وقطع الحجارة الضخمة التي يزيد طول بعضها على المتر الواحد. القلعة تتكون من بناء شبه بيضاوي غير منتظم الشكل، ولها سور خارجي مدعم بأربعة أبراج مخروطية، واثنان منها لا يزالان قائمين. أقدم ذكر لهذه القلعة ورد في الوثائق البرتغالية والعثمانية. فالوثائق البرتغالية تذكر أن مجموعة من القوات البرتغالية تمركزت في جزيرة تاروت، وقاموا بترميم القلعة في عام 951 هجري. ومن المرجح أن القلعة قديمة، واستُغلِّت لفترة قصيرة من قبل القوات البرتغالية ثم العثمانية. وعلى الرغم من عدم ذكرها في المصادر التاريخية القديمة، فمن المحتمل أنها كانت إحدى قلاع الدولة العيونية خلال الفترة 469-639 هجرية. القلعة شيدت فوق أساسات مبنى قديم يعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد. ويمكن للزائر ملاحظة مجموعة من الحجارة المصقولة والمرصوصة بانتظام تحت أساسات القلعة، والتي قد تكون بقايا هيكل معبد قديم لعبادة الإلهة عشتاروت أو عشتار، والتي قد اشتق منها اسم المدينة.

التنقيبات الأثرية في تل تاروت

التنقيبات الأثرية في تل تاروت أثبتت أن الاستيطان بدأ في هذا الموقع منذ فترة العبيد في الألف الخامس قبل الميلاد واستمر حتى الألف الثالث قبل الميلاد مما يجعله أقدم موقع مدينة في الجزيرة العربية لذلك يتضح أن تاروت كانت أكبر من كونها مجرد قرية. كما أن تل تاروت الأثري يتكون من طين وأتربة وحجر جيري ضخم ويتضح وجود أساسات مبان قديمة تحت أساسات القلعة التي شيدت فيما بعد على قمة التل هناك أيضًا نبع ماء عميق مرتبط بقناة تؤدي إلى بركة مبنية من الحجارة وبعض الباحثين رجحوا أن هذا المبنى القديم كان هيكلاً للمعبودة الفينيقية عشتار ”عشتاروت“، والذي يعتقد أن اسم مدينة تاروت مشتق منه.

أهم المواد المكتشفة تحت أساسات القلعة هي:

1. تمثال من الحجر الجيري يحمل سمات التماثيل المميزة للحضارة السومرية.

2. مجموعة من الأواني الفخارية ذات اللون الأصفر البرتقالي من فخاريات فجر السلالات الأولى ”2900_2750 ق. م“.

3. أوان أخرى كبيرة ذات أبدان جؤجئية وحواف مثلثة الشكل، تمثل الأنواع المميزة لفخاريات جمدة نصر في بلاد ما بين النهرين.

4. تشكيلة من فخاريات دلمون وباربار المضلع الشكل، وهي فخاريات تنتمي إلى الألف الثالث ق. م.

5. كسر الأواني الفخارية التي تنتمي إلى حضارة العبيد.

هذه المواد الأثرية المكتشفة تمثل أربعة أدوار تاريخية لمراحل الاستيطان بالموقع، وتعود أقدم هذه المراحل إلى فترة حضارة العبيد الثانية ”4000_4300 ق. م“، واستمر الاستيطان حتى الألف الثالث ق. م، حيث حضارة دلمون والفترة المتأخرة لحضارة باربار. وبالتالي، فإن موقع القلعة يقع بين الفترة 4300 ق. م حتى 500 ق. م.

موقع فريق الأطرش

يقع موقع فريق الأطرش في أقصى شمال البلدة القديمة لتاروت، وهو أحد الأحياء التاريخية المندرجة ضمن مدينة تاروت الحديثة. الموقع كان سابقًا عبارة عن مزرعة نخيل تقع جنوب شرقي فريق الأطرش، تعرف باسم ”أم جلوه“ أو ”أم فلوه“. اليوم، هذه المساحة الأرضية تم تسييجها من قبل وكالة الآثار وتقدر مساحتها ب، 752 متراً مربعاً.

قصة اكتشاف آثار هذا الموقع تعود إلى بعثة الفريق الدنماركي، الذي أفاد بأن السكان المحليين كشفوا عن مواد أثرية قديمة في المنطقة. الفريق جمع عددًا من الأواني الفخارية، بما في ذلك مزهريات حمراء اللون ذات أعناق ضيقة وأجسام كروية مع قواعد مستديرة، إلى جانب أنواع مزينة بزخارف هندسية باللون الأسود على أرضية حمراء داكنة. كما تم العثور على مجموعة من الأواني الحجرية، بعضها كان سليمًا. تم تسليم هذه المواد من قبل السكان المحليين إلى وكالة الآثار.

بناءً على دراسة السمات المميزة للأواني الفخارية من موقع فريق الأطرش، تم تحديد تاريخ تقريبي للموقع يعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد.

موقع الرفيعة:

تقع الرفيعة وسط جزيرة تاروت، الواقعة قبالة مدينة القطيف على الساحل الشرقي من خليج تاروت. يشغل موقع الرفيعة جنوب شرقي مدينة تاروت على مسافة كيلو ونصف منها، وتبعد مسافة كيلين اثنين من الساحل الشرقي للجزيرة. الرفيعة تعرف أيضًا باسم الفلاة، وهي حاليًا منطقة زراعية تقع ضمن حقول المزارع الواقعة شرقي الجنوب الشرقي من جزيرة تاروت. تم استغلال أراضيها من قبل سكان قرية الربيعية المجاورة لها قبل حوالي 45 سنة. قصة اكتشاف الموقع تعود إلى عام 1382 هـ / 1962 م، عندما قامت بلدية القطيف بإنشاء طريق يربط جزيرة تاروت بالساحل الرئيس للمدينة. أثناء نقل الرمال من موقع رملي مرتفع يعرف بالرفيعة، كشفت معدات الحفر عن بقايا مدافن ثلاثية قديمة مدفونة تحت كثبان الرمال، احتوت على تحف صغيرة وأواني فخارية ومجموعة من الأواني المصنوعة من الحجر الصابوني والمرمر. على الرغم من الدمار الذي لحق بالموقع بسبب نقل الرمال والتوسع الزراعي والعمراني، إلا أن الأعمال الاستكشافية كشفت عن بقايا آثار استيطان قديم ومدافن غنية بالمواد الأثرية.

مدافن الربيعة

قرية الربيعية هي قرية زراعية تقع في وسط جزيرة تاروت، إلى الجنوب الشرقي من تل الرفيعة الأثري.

يتكون هذا الموقع من حقل مدافن قديمة على شكل تلال دائرية، بارتفاع يصل إلى 2 متر في بعضها. لقد تم إزالة قسم كبير من هذا الحقل خلال أعمال التوسع الزراعي وإنشاء الطريق الحديث الذي يربط قرية الربيعية بمدينة دارين. مساحة الجزء المسّور من موقع المدافن هي 430 متراً مربعاً. يتميز موقع مدافن الربيعية بطراز معماري فريد في المنطقة الشرقية، وهو عبارة عن مصطبة مستطيلة الشكل ذات بناء متدرج، تتكون من قاعة طويلة مستطيلة. تم إضافة عتبتين حجريتين إلى المدفن، ربما كانتا مسطبة لتقديم القرابين، بينما يحيط بالمدفن الرئيس جدار سميك، وتتصل ببعضها مدافن جانبية. أهم ما عُثر عليه في هذه المدافن هو كسر من أواني فخارية تؤرخ بالفترة بين 2250-1750 ق. م، وقطع برونزية تمثل دبابيس ومسامير ومشابك زينة، إضافة إلى مدافن خاصة تتكون من جرار كبيرة تحوي بقايا عظام دفن تؤرخ بالفترة بين 1550-1950 ق. م. على الرغم من عدم العثور على مواد أثرية ذات قيمة علمية لتحديد تاريخ هذا الموقع بدقة، إلا أن الدراسة الأولية للمعثورات تشير إلى أن الموقع يرجع إلى فترتين، أقدمهما تعود إلى الألف الثالث ق. م، بينما قد تصل الفترة الثانية إلى منتصف الألف الثاني ق. م.

الخاتمة:

إن جزيرة تاروت ليست مجرد موقع تاريخي بل هي شهادة حية على العصور القديمة التي شهدت تطور الحضارات ومن خلال الاكتشافات الأثرية ويتضح لنا أن تاروت كانت مركزًا حضاريًا مهمًا في الجزيرة العربية، مما يجعلنا نفهم تاريخ البشرية. تظل أهمية هذه الجزيرة قائمة، حيث إن كل اكتشاف جديد يساهم في إثراء معرفتنا عن الماضي ويعزز من مكانتها كأحد أبرز المواقع الأثرية في المنطقة.







التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
أزهر عبدالله التوبي
[ القطيف ]: 26 / 7 / 2024م - 9:11 م
ذكرت أن اسم جزيرة تاروت اشتق من اسم الهيكل الواقع على التل والذي يرجح انه يعود الى الألف الثاني قبل الميلاد كمبعد للإله عشتار.كما ذكرت أن بناء على النتائج والتنقيبات الأثرية اثبت انها تعود الى الألف الخامس قبل الميلاد.
السوال ! قبل الألف الثاني إلى الألف الخامس ما هو اسم جزيرة تاروت ؟ بما انها مستوطنة ولها مركزها الحضاري يعني هناك ثقل ثقافي أحياها بشر ! صحيح؟
لا أريد الاطاله
اسم تاروت ليس مشتق من اسم الإله عشتار بل اسم الإله اشتق من اسم تاروت
تاروت اسم فينيقي وجذره (تر) وتعني كل شق ينبع منه الماء وعند الجمع تضاف الى الأسماء الواو والتاء فتصبح تروت وتعني ينابيع المياه تحرف الاسم قليلا ليسهل النطق ليكون ( تاروت).
اتمنى يكون واضح ، كما اتمنى من الكتاب والمؤرخين ينسوا نظرية اسم تاروت من الا