آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 3:01 م

أين نحن منهم

يسرى الزاير

لا يخفى على عاقل ما يمثله العرب من ثقل إنساني أممي منذ نشأة التاريخ.

وإن أردنا الإشارة بالدلائل والبراهين التاريخية المعروفة نجدها تشير إلى منتصف القرن التاسع قبل الميلاد.

على مر العصور وتعاقب الحقب والحضارات برز من رجالات العرب من رسموا وجه التاريخ.

هناك حيث كانت البطولات لا تعرف مراحل عمرية، فقد كان الإنسان أما طفل ينشأ أو رجل يرعى وينشئ.

ما بينهما اليفاعة «المراهقة» وما هي سوى مرحلة انتقالية من النمو البدني والنفسي التي تحدث عادة خلال الفترة من البلوغ إلى مرحلة البلوغ القانوني.

لقد كان للشباب قديماً دور حيوياً في إثراء الحضارة العربية والإسلامية، فكانت أعمارهم تتفاوت بين العشرين والثلاثين عاماً، عندما كانوا رواداً وقادةَ حرب وملوكاً وعلماء وفلاسفة وتجار وحرفيين…. إلخ.

ولنا في بيت آل النبي أسوة حسنة، وها نحن نحي ذكرى عاشوراء ونستلهم منها قيمة الحياة ونستمد من أبطالها جوهر المبادئ والأخلاقيات.

فأين نحن من إحياء الشعائر؟!

الحسينية، الزينبية، العباسية، العلوية الحيدرية...

المدرسة الأممية الجامعة الإنسانية البليغة.

إن كان إحياء عاشوراء لأجل تجديد الحزن والبكاء بالنعي والعزاء، فنحن لا نفقه من ثورة الحسين غير مصرعه، بذلك نظلم أنفسنا حين يمضي العاشر من محرم، فتجف دموعنا وينطفي نور الثورة في أعماقنا.

الثورة وما أدراك ما الثورة حين تكونّ مبدأ ينشأ عليه أجيالا وتكبر عليه أفكارا...

لكانت الأمهات كما فاطمة والأخوات كما زينب والشباب كما علي الأكبر.

وعند الحسين والعباس تنطوي الصحف، ويجف الحبر وينكسر موج الكلام.

سلام الله عليهم أجمعين.

الغاية من حروفي المبعثرة وشتات الأفكار.

أين كان أهلنا أول وأين صرنا، وأين صار اليوم الشباب.

كبرنا والنبي وآله أجمعين قدوتنا ومثلنا نمشي على نهجهم بأمان، حتى عصفت الدنيا بنا من كل صوب ينزل بلاء، والكل مشغول بنفسه ما همه حتى ضناه.

المبادئ صارت عادة قديمة تعرقل غاية وطموح، والرجولة على المحك، أما الأنوثة فغريبة غربة الورد في المواسم القارصة.

والتربية والتوجيه في مهب الريح لا عادات ولا قيم، ولا احترام لها أن وجدت، كل من عايش لنفسه وغاية وصاله هم في غم.

أصبحت كثيراً من الأسر في خانة الغرباء، تضمهم ذات الجدران إنما قلوبهم شتى ومشاعرهم ميتة.

أطفال يبحثون عن وجودهم على منصات الشبكة العنكبوتية التي في أحسن الأحوال تغصّ بالمتناقضات، ناهيك عن شتى أنواع المخاطر والعاهات، تتقاذفهم الأفكار الغريبة وتتجاذبهم المغريات.

فكم منا بهذه الأيام العاشورائية أوصل بعض من الرسائل الكربلائية إلى أطفاله بصورة تناسب أعمارهم وتنمي فكرهم وتقوّي شخصياتهم.

من قدم لبناته خطب السيدة زينب يقرؤها يستلهمون منها الشجاعة والعزة والإباء...

وجوهر الأخت حين الفداء.

في هذه الأيام ماذا قدمنا لأولئك الممزقين على وجه الحياة تلوكهم أفكارهم الشاذة ونفوسهم المضطربة جراء ضياع الهوية.

أي دروس قدمت وكم من حياة استقامت بعد هتاف يا حسين.

أي دماء فارت في العروق حين استصرخت حيدرا.

ما لنا كما العيون جفت مياهها فجفت فينا المشاعر وتبلدت العقول.

حقيقة أشعر بالحزن العميق على حالنا إذ لم نعد نصبو للبعيد، وأصبحنا فقط للحظة نعيش.

لم نعد نكلف أنفسنا عناء الإصلاح ولا حتى عبّر الفكرة والكلمة.

باسم التقدم والحرية ذابت هيبة العائلة وتزعزعت قيم الأسرة والاحترام، وعليه تاه الفرد بين الأنانية والوصولية في سبيل غاياته الخاصة.

فلو كنا نقتدي بالمدرسة الحسينية كما يجب لكان حالنا دوماً أفضل.

ثورة الحسين ليست معركة اعتيادية هي ثورة فكرية قيمية إنسانية شمولية أبدية خالدة.

فأين نحن منهم؟.