آخر تحديث: 18 / 10 / 2024م - 12:02 ص

عاشوراء مبادئ وقيم

جهاد هاشم الهاشم

في اليوم العاشر من شهر محرم الحرام من العام [61 ه] جرت حادثة موجعة شاع صيتها في سائر البلاد الإسلامية بشكل خاص بل وفي أصقاع المعمورة بشكل عام، وبقيت راسخة داخل الوجدان الإنساني على قِدم حدوثها شعلةً مضيئةً لايطفؤها تقادمُ الأعوام ولا تعاقب الأزمان، وكانت تلك الواقعة هي استشهاد الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب - سلام الله عليهما - سبط النبي محمد ﷺ في معركة كربلاء الأليمة ومنذ ذلك الحين والحديث يتواتر عاما تلو عام.

ولكن عزيزي القارئ لن نتطرق للحديث في هذا المقال عمّا دار في رحى تلك المصيبة وما تخللها من أحداث عصيبة وقاسية ومؤلمة مرت على أهل البيت ومَن كان مع الإمام الحسين - سلام الله عليه - من خيرة أصحابه الذين افتدوه بكل ما هو غالٍ ونفيس حتى وصل الفداء إلى بذل المهج والأرواح للفوز بالجنة والرضوان من قبل الخالق - تبارك في علاه - تاركين وصف تلك الأحداث لأهل الاختصاص من أصحاب السماحة والفضيلة مشايخنا الكرام لما لأهليتهم البارزة والعميقة في هذا الاتجاه الشيء الكثير مما يؤهلهم إعطاء هذا المحور ما يستحق من تسلسل الأحداث ووصف لما جرى من أهوال.

وهنا أعتقد بل أجزم حقيقةً أنّ هناك ثمةَ طرق ومسارات متعددة يمكن من خلالها أن نهتدي ونسترشد للعديد من القيم الأخلاقية والمبادئ الإنسانية السامية من تلك الحركة الإصلاحية الكونية التي من أجلها ثار الإمام الحسين - سلام الله عليه - للوصول إلى ثوابت رصينة للاستعانة بها على نَيل المثل العليا والوصول لما تحويه من مرتكزات رئيسة ورسائل بيّنة وجَلية لبني البشر كافة وعلى اختلاف ألوانهم ومشاربهم وقومياتهم وتوجهاتهم باعتبار أن ما يتعلق بالأمور القيمية والإنسانية هي عبارة عن مطلب عام لجميع العنصر الآدمي على وجه العموم.

إنّ واقعة الحسين - سلام الله عليه - التي دارت رحاها في أرض العراق هي خالدة وحاضرة لا تنتهي إلى يومنا هذا باعتبارها منازلة استثنائية، فالمتتبع لما حدث من مجريات تعنى بهذه المعركة وإن اقتربنا أكثر وأمعنا النظر بعين صائبة سنجد أن هذا الحدث الجلل هو من أعظم المعارك التي أوجدت في نفوس البشرية حيرة لا حدود لها تجاه التاريخ على مر العصور وإرثا معرفيا عميقا يتطلب من ذوي الفكر المشع بنور الحق البحث والتنقيب ومن ثم استخلاص العبر التي من خلالها نثري الميدان الكوني بما يدعم حالة الاستيقاظ الأخلاقي من كل ما هو سواد وتدنٍ للقيم والخُلق بشكل عام.

وقد أوجدت تلك الأحداث وقائع مؤثرة على الذات البشرية وجدانيا وعاطفيا، وما زالت إفرازاتها باقية حتى وقتنا الحاضر بالرغم من تباعد الفترة الزمنية التي خلصت لها هذه المعركة، وما زالت تنبض بمآسيها الثرية بالشواهد والعِبر بل وفي كل عام تتجدد لتمنح للعالم من نورها البازغ حيث تعتبر هذه الواقعة وما جرى فيها من عجائب مبكية وجارحة والتي كان لها دور محوري ومهم في إحياء طبيعة العلاقة الأخلاقية بين الشعوب كافة بل غدت تلك المنازلة وتفاصيلها الدقيقة رمزا لمفهوم المبادئ السامية والسلم العالمي المنشود بمعانيها الحميدة ودروسها النبيلة التي بفعلها تمخض عنها نظرية مضامينها الارتقاء لكل معاني الحب والوئام للإنسانية جمعاء.

لهذا وعندما تدنو وتقبل علينا ذكرى عاشوراء نكون بحاجة ماسة لتغيير الاتجاه، وكذلك ذكر أهل البيت وما يتبعها من قيم باعتبارها سيرة نيرة بما أحدثته من تجسيد للمثل العليا، وأنها مصدر ومشرع إسلامي في عمومه وذو طابع أخلاقي يتسم بوسطية واستقامة فاعلة مما يؤثر في طبيعة ثقافتنا على حياة الإنسان، وعلى وجه التحديد هذه الفترة التي نعايشها في حاضرنا المعاش لما يمثله هذا الشهر المعظم كفرصة فريدة من نوعها لنعيد خلالها كمسلمين التفكير بشكل أدق في تشييد بناء أفكارنا بإطار مختلف، فنكون أعظم عقلانية ووقارا وحكمة واحتراما ونكون أمة متراصة فيما بيننا، وأن ننظر ومن خلال ما يدعو له المنطق الحسيني القويم من وحدة الصف وتقبُل الاختلاف مهما علا شأنه وحجمه تجاه بعضنا البعض كما جاء عن الإمام علي بن أبي طالب - سلام الله عليه - بما يخدمنا ويعنينا ويمكننا من الوصول لغاياتنا كبشر: ”الإنسان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق“ فما بالك أخي القارئ حينما يكون التعامل بيننا كأمة مسلمة واحدة؟! لذا ومن من باب أولى أن نتقبل بعضنا وهذا من مقاصد حركة الإمام الحسين المباركة التي توصي بنقاء الفكر وتطهير النفس وإحياء الضمير لجميع الأجيال من كل طائفة ودين.

لهذا يتطلب الأمر منا استلهام العظة والعبر مما جرى في كربلاء لتحقيق كل ما يتفق والرسالة النبوية الحقة التي تنادي بكل المعاني السامية وخلق المحبة وتفعيل عنصر الترابط ورفض العنف والعداء وأن نجعل الطمأنينة بيننا هدفا منشودا وألّا نرتضي الطائفية البغيضة التي لا نحصد منها إلا الكثير من التفكك والمهانة وتنامي الأحقاد والبعد عن مضامين الرسالة القرآنية التي تهدينا لرفض السوء من المعتقد ومقت الإساءة والتأكيد على مقابلتها بالإحسان وينكشف هذا بقوله جل جلاله: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ «34» وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم [فصلت: آية 34,35].

إذًا ومما لا شك فيه وفي هذا المضمار نؤكد على ضرورة السير قدما تجاه ثقافة الألفة والتواد والتعايش السلمي والإقلاع عن التشنج والمهاترات واستبدالها بالمرونة والاعتدال حتى وإن اختلفنا في بعض الجزئيات التي لا تغني ولا تسمن من جوع، بل يجب الاتفاق بالعموم لنحصد بعدها ما أمكن من تلك المبادئ التي سردنا بعضها آنفا، وهذا بلا ريب جزم وثبات على السير في خطى نهج الإمام الحسين سلام الله عليه من حيث الهوى والألفة والتقارب وترك التعنت والاتصاف بلين الجانب حتى وإن كان بيننا تباين وتضاد في بعض الأمور.

وبالعبارة الشهيرة نقول: إن الاختلاف في وجهات النظر لا يبطل ولا يفسد للود قضية فالذي يقوينا ويربطنا أعظم بكثير من صغائر تلك الأحداث باعتبار أننا مجمعون على وحدانية الخالق عز وجل ونبينا واحد محمد ﷺ ومصدر تشريعنا كتاب الله المقدس؛ فتلك هي عموميات الرسالة الحسينية المباركة أن نلتحم تحت رسالة وراية الإسلام المعظم.

وفي هذا الإطار كنت قد ذكرتُ في مقالة كتبتُها ونُشرت العام المنصرم عبارة مقتطعة من كتاب يرجع تأليفه لشيخنا الجليل سماحة الشيخ فوزي آل سيف حفظه الله في كتابه المعنون «أنا الحسين بن علي» وقد جاء فيه وتحديدا «ص 215» أن ”الحسين أراد أن يحيي القيم والأخلاق في النفوس“ واسترسل كاشفا تحت هذا المعنى الذي يحث على نبذ الصراعات والتباغض والتناحر والتنافر، وضرورة التمسك بما جاء به كتاب الله المقدس على لسان نبي الرحمة محمد ﷺ وقد جاء عن الحق سبحانه وتعالى قوله: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ «103» وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون [آل عمران: آية 103,104].

وفي ختام هذه السطور لا يسعنا إلا أن نتقدم بالشكر والعرفان لحكومتنا الرشيدة ولسعادة محافظ القطيف ولكل المعنيين من بواسل وزارة الداخلية الكرام بفروعها المتعددة شرطة ومرور وأمن عام ودفاع مدني على الدعم الوافر والجهود المنقطعة النظير تجاه ضبط الوضع العام والسهر على حماية الآمنين والوقوف إلى جانب مؤسسي المجالس الحسينية وكذلك الشكر موصول للمتطوعين من كوادرنا الأعزاء الرواديد الفضلاء وأصحاب السماحة من مشايخ وعلماء تجاه خدمة الإمام الحسين - سلام الله عليه - فجميعنا مسؤولين عن وقاية وحماية وطننا المعطاء سائلين الله العلي القدير أن يوفق الجميع لكل خير إنه ولي ذلك والقادر عليه.

السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك يا بن رسول الله، السلام عليك يا خيرة الله وابن خيرته، السلام عليك يا بن أمير المؤمنين وابن سيد الوصيين، السلام عليك يا بن فاطمة سيدة نساء العالمين، السلام عليك يا ثأر الله وابن ثأره والوتر الموتور، السلام عليك وعلى الأرواح التي حلت بفنائك، عليكم مني جميعا سلام الله أبدا ما بقيت وبقي الليل والنهار يا أبا عبد الله ورحمة الله وبركاته.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
ابوحيدر
[ القطيف ]: 15 / 7 / 2024م - 2:19 ص
لا يوجد بيننا تفرفة (حقيقة) بل نحن كمسلمين اختلافا في امور (وهي رحمة من الله كما جاء في بعض الأيات) ولكن التشدد وفرض الرأي هو من يفسد الود او يمحقه محقا .. كمثال أنا ارغب في الإجازة في شهر رمضان و زميل يرغب فيها في ذي الحجة وهنا عندما نتعاون يكون العمل مستمر ولكن هناك أمور لا بد من عدم تجاوزها وهو الصدق وحرمة المسلم وغير المسلم المسالم وعدم التعدي على الممتلاكات (كمثال) وعدم الاستهانة بالقوانين التي من يخالفها كانه تعدى على حقوق الناس والله لا بستجيب دعاء من يتعدى على الناس (كمثال) .