آخر تحديث: 8 / 9 / 2024م - 12:11 ص

أمينة … مراس المتقنين

ناجي وهب الفرج *

عاشت أمينة في قرية هانئة وادعة مع أسرتها البسيطة. يستهويها زقزقة الطيور عند الشروق، وتستظل تحت أشجار الليمون، وتستنشق رائحة الياسمين التي ينقلها نسيم الصباح، وتشعر بطمأنينة ودفء وأمان لمجاورة النخيل الباسقات التي لها رمزية وجودية لماض بناه الأجداد وورثه الأبناء ووصل إلى الأحفاد.

كانت قريتها الصغيرة تبعد عن صخب المدينة وضجيجها المتواصل لمسافات ليست بالقريبة.

لم يكن يخطر ببالها أن الظروف ستجبرها على تغيير روتينها اليومي؛ لتنتقل من حياة سمتها البساطة والتلقائية إلى حياة ملؤها الزحام الذي لا يهدأ من حركة المارة.

فالأنوار ساطعة..

والموج العارم من السيارات لا يكاد يهدأ.

تاقت نفسها للرجوع إلى كنف والديها والمشاكسة المستمرة مع أخوتها.

أمينة إنسانة مبدئية لا تستلم للمغريات ولا تساوم على القيم التي تربت عليها.

وعلى الرغم من ذلك تجد أمينة نفسها منفتحة على كل من حولها، تتبع مواطن الحكمة تأخذها أن وجدتها.

سألتها صديقتها مروة ذات مرة والتي تعرفت عليها والتقت بها في محاضرات الدروس على مدى سنوات من دراستها وكونت معها صداقة وعلاقة متينة عن سبب تقدمها الدراسي وسعة اطلاعها وحسن تعاملها مع من حولها.

فردت عليها أمينة ردا مقتضبا، أنها مدرسة الحياة يا صديقتي. فعندما يسوق الله للمرء النماذج القدوة فإنها خير من يتعلم منها، فكما يورث الأب مهنته لابنه كذلك يرث منه تعامله وطريقة تعاطيه مع متطلبات الحياة والتكيف على التعامل مع متغيراتها وحيثياتها.

تسترسل أمينة في الحديث مع صديقتها مروة بعد أن تعدل جلستها ويغمرها الحماس في نقل تجربتها كما هي وتفكك مفردات ومكامن القوة في شخصيتها.

تقول أمينة وهي تمسك بيد رفيقتها بدفء:

كنت وما زلت يا عزيزتي مروة شفافة مع نفسي وصادقة في إمكانيتي التمس العون ممن حولي إذا تطلب الأمر ذلك، فهناك تواصل الأجيال احتواه منزلنا المتواضع فالأجداد والجدات والأبناء والأحفاد جميعهم يعيشون مع بعضهم يتناقلون فيما بينهم تجربة خاضوها هنا أو هناك.

فجأة!

توقفت أمينة عن الكلام قد حان الوقت للخلود إلى النوم.

ردت مروة: ما زال الوقت مبكرا …

قالت أمينة: هذا سر أيضا من أسرار النجاح الذي كنت تريديني ان أتحدث عنه يا مروة.

ردت مروة: حسنا يا عزيزتي، إذن نلقاك غدا لنلتمس منك المزيد عن أسرار نجاحك.

قالت أمينة: بالتأكيد.

ضحكت مروة وهي تردد سأحضر معي ورقة وقلم في المرة القادمة.

أردفت أمينة لصديقتها بقولها: أنت يا عزيزتي واهتمامك هو أحد مقومات نجاحي.

نوم كاف، رياضة معتدلة، غذاء متوازن جميعها روافد تصب في تحقق الثبات والاستمرار على الجادة ضمن حياة صحية سينعكس أثرها لا محالة على نشاط الإنسان وحيويته.

أمينة تهتم بأبسط الأشياء وترتب أولوياتها، وتبتعد عن المبالغات، فلا تستهلك نفسها أكثر مما يجب. فهي تزن الأمور تبعا وطبقا لمعاييرها الحقيقية..

وهذا سر نبوغها ونجاحها الحقيقي …

أمينة ليست متمسكة برأيها أو قناعتها، بل هي مستعدة أن تغير ما هي عليه متى ما تبين لديها بالأدلة القطعية خلاف ما هي عليه، فهي تستمع أكثر مما تتكلم، وهي تداري أكثر مما تواجه.

هكذا رسمت أمينة لها منهجية في التعاطي مع متطلبات الحياة والتكيف مع متغيراتها؛ فهي لا تكتفي بسرد الصعوبات، بل على العكس تماما تستقصي الحلول وتذلل الصعاب.

نائب رئيس مجلس إدارة جمعية العوامية الخيرية للخدمات الاجتماعية