آخر تحديث: 25 / 11 / 2024م - 12:28 م

دور النخب في تعزيز أو هلاك المجتمع

هاشم آل حسن

في ظل التحديات الكبيرة التي يواجهها المجتمع، لم يعد كافياً أن تكتفي النخب بالتنظير وجذب الانتباه فالأفعال والتأثير الحقيقي هما ما يبرزان أهمية دور هذه النخب. لهذا، يجب على النخب أن تكون فاعلة على أرض الواقع وأن تساهم في تقديم مبادرات وحلول عملية لتحقيق نتائج ملموسة تفيد المجتمع خاصة وأنها تلعب دورا مهما في تشكيل هوية المجتمع، فالنخب تتمتع بقدرة كبيرة في التأثير على مختلف المجالات مثل الاقتصاد، والثقافة، والأخلاق، والتعليم، والفن. وتتألف النخب من عدة فئات منها رجال الأعمال، العلماء، المفكرون المبدعون، والشخصيات الثقافية والفنية، حيث تتميز هذه النخب بقدرات وخبرات تجعلها مميزة عن بقية المجتمع في أغلب الأحيان.

ولأن النخب تمتلك عدة مسؤوليات تجاه المجتمع، يتوقع منهم المساهمة بشكل فاعل وإيجابي في تحسين حياة الناس والمجتمع لتقويته، أو للمساهمة في هلاكه إذا لم تُستخدم هذه القدرات والمهارات بحكمة ووعي ودين ومهنية وأخلاق وإنسانية.

تأثير النخب في معالجة القضايا

نظرا لسعة أفق وعيهم وزيادة الإمكانات التي يتمتعون بها، يجب على النخب التفكير في هموم المجتمع والسعي لمعالجتها بجدية. إن دورهم لا يقتصر على الظهور الاجتماعي، بل يمتد إلى إحداث تغيير بارز وحقيقي يعزز مكانتهم الاجتماعية ومكانة المجتمع الذي ينتمون إليه. ويعتبر على سبيل المثال تواجد العلماء، التجار، الأكاديميون، والوجهاء في أوساط المجتمع مهما جدا لكي يدركوا حاجات الناس ويعززوا المشاعر الإنسانية الإيجابية لديهم. كما أن المشاركة الفعالة والمؤثرة في الأنشطة الاجتماعية والثقافية في المجتمع تضيف للنخب تجربة ثرية على المستوى الفكري والنفسي، مما يساعدهم على تقديم المزيد من العطاء. على سبيل المثال، يمكن للنخب المشاركة في تأسيس جمعيات خيرية جديدة لمعالجة مشاكل اجتماعية لعدة فئات من شرائح المجتمع، أو المساهمة في الأنشطة الخيرية خاصة تلك التي تمس حياة الناس واهتماماتهم بشكل مباشر.

التحديات والعقبات التي تواجه النخب

بالرغم من الأدوار المهمة التي يمكن أن تلعبها النخب إلا أنها تواجه تحديات وعقبات عديدة. من هذه التحديات التفاوت الاجتماعي، حيث قد يؤدي التركيز على المصالح الذاتية فقط إلى تفاقم التفاوت الاجتماعي وعدم المساواة. بالإضافة إلى ذلك، قد يعيش بعض أفراد النخب في عزلة عن المجتمع، مما يفقدهم القدرة على فهم احتياجات الناس. كما يمكن أن يؤدي الغرور الفكري ورفض الانخراط مع وجهات النظر المختلفة إلى خنق الابتكار وإعاقة التقدم المجتمعي. وعندما ترفض النخب الآراء البديلة أو تقمعها، فإنها قد تحد من قدرة المجتمع على التكيف والتطور. ولذلك يعتبر تحقيق التوازن بين النجاح الشخصي للنخب والمصلحة العامة أمرا ضروريا لضمان ازدهار المجتمع ككل لأن اختيار هذا الطريق سيخدم الصالح العام ويحقق التنمية المستدامة.

الارتقاء بالمجتمع

على النخب المساهمة في تحفيز المجتمع للتطوير والتغيير والارتقاء به في المجالات الفكرية، الثقافية، والاقتصادية. كما أنه لا يكفي أن تكون النخب ثرية أو ذات نفوذ، بل يجب التفكير في كيفية نشر هذه النجاحات وتشجيع أبناء المجتمع على المشاركة الفاعلة في جميع المجالات خاصة في مجال الأعمال لتطوير المهارات ولرفع المستوى الثقافي والفكري والاقتصادي.

ومن جانب آخر، تحتاج النخب إلى استيعاب الخلافات الفكرية وتشجيع التسامح وتعظيم قيمة الروابط الإنسانية والأخلاقية في المجتمع. ولهذا يجب عليها معالجة الاختلافات بالاحترام المتبادل والحوار البنّاء، لا بالتعبئة والتأليب والنفاق الاجتماعي لأن الانفتاح على مختلف الآراء والتوجهات داخل المجتمع يعزز الوحدة ويقوي الترابط ويرتقي بالمجتمع.

ولتعزيز دور النخب في المجتمع بشكل إيجابي، يمكن اتباع بعض الاستراتيجيات:

• الشفافية والمساءلة: ضرورة وجود آليات لمحاسبة النخب على أعمالهم وضمان الشفافية في تعاملاتهم. يمكن للنخب، وبدافع السعي لمزيد من السلطة والثروة، أن تنخرط في سلوكيات غير أخلاقية مما يقوض الثقة العامة ويضعف نزاهة المجتمع. فعندما تركز النخب فقط على مصالحها الخاصة وتغفل عن المجتمع تزيد من الانقسامات وتخلخل التركيبة الاجتماعية.

• التعليم والتوعية: لتعزيز الوعي بين أفراد النخب وإيمانا بأهمية دورهم الاجتماعي والأخلاقي، يعتبر التعليم والتوعية من أهم الاستراتيجيات لتعزيز فاعليتهم في خدمة المجتمع وبدورهم الاجتماعي والأخلاقي الذي يساهم بشكل كبير في تحقيق تأثير إيجابي ومستدام. ويتم ذلك من خلال البرامج التعليمية وورش العمل التوعوية، حيث يمكن للنخب فهم مسؤولياتهم بشكل أعمق، والتعرف على التحديات التي يواجهها المجتمع، والعمل على إيجاد حلول عملية واقعية تسهم في تحسين حياة الناس وتعزيز التقدم الاجتماعي والاقتصادي.

• التواصل والتفاعل: إن تشجيع النخب على التواصل المستمر مع المجتمع وفهم احتياجاته ومتطلباته أمر بالغ في الأهمية، لأن العزلة عن فهم احتياجات المجتمع والترابط معه يمكن أن تدفعهم لاتخاذ قرارات بعيدة عن الواقع الذي يعيشه الغالبية من أفراد المجتمع. وبالتالي، يمكن أن يؤدي هذا الانفصال إلى سياسات وممارسات تعيق التواصل الاجتماعي وتنعكس سلبا عليه. ولهذا يعتبر تعزيز التعاون بين مختلف مكونات النخب أمرا محمودا لتنفيذ مشاريع تنموية تخدم المجتمع بشكل شامل. النخب، بفضل نفوذها الكبير في مجالات مثل الأعمال، العلوم، والثقافة، تمتلك القدرة على التأثير في تشكيل المجتمع.

وأخيرا، لم يعد للتنظير مكان فالمجتمع يحتاج إلى نتائج حقيقية ملموسة تسهم في تحسين حياة أفراده. لذا، يجب على النخب أن تكون فاعلة في خدمة المجتمع وعلى قدر عال من المسؤولية، حيث إن الأفعال والتأثير الحقيقي المباشر عليه هما ما يبرزان أهمية دورهم. إن التوازن بين جذب الانتباه والعمل الحقيقي والفعال من قبل النخب يضمن تحقيق تأثير إيجابي ومستدام في المجتمع، مما يعزز الثقة والاحترام لهذه الفئة. ولهذا، على النخب أن تدرك أن لديها القدرة في المساهمة في تعزيز المجتمع أو إلحاق الضرر به، كما يجب عليها أن تدرك بأن قدرتها على التأثير سلبا يحدث إذا لم تلتزم هي التزاما عمليا بالقيم الأخلاقية والإنسانية والمهنية.