دموعك غالية
إذا كنت من عشاق كرة القدم، حتمًا رأيت الضجة التي صاحبت مباراة البرتغال التي بكى فيها الدون ولن أخوض في شعبية وعبقرية كريستيانو رونالدو حتى لا أقع في محظور يجعل محبي ميسي يقاطعون مقالاتي التي أزعم أن نخبة من القراء ينتظرونها كل أسبوع.
وصفت دموع رونالدو بدموع التماسيح وأنه يبحث عن تعاطف الجماهير.. ودعوني أضع بعض الفلسفة هنا!
لطالما تمت تنشئة الأطفال «الذكور» على مجموعة قوالب صنعها المجتمع، فرضت عليهم أن يكونوا داخل ذلك الإطار بتقسيم جندري في مفهوم الأنوثة والرجولة، بالتالي بُنيت عليه محددات اجتماعية، وكان من نتائجها محو شخصية الإنسان من خلال البحث عن صورة مثالية لكليهما، الرجولة كما الأنوثة مورست عليها الكثير من البرمجيات الخاطئة، فأصبحت الرجولة ترتبط بالشكل الجسدي الظاهري للرجل وبمدى شدته وصرامته وعدم تعبيره عن مشاعره الداخلية، وهذه من أكبر الأمور التعسفية التي وقعت على الرجل، بحجة أنه يجب عليه أن يخفي مشاعره.
هناك نظرية تسمى المبدأ الأنثوي لعالم النفس السويسري كارل غوستاف يونغ والتي فحواها أن هذا المبدأ موجود كقوة أساسية في البشر جميعا، ويميز النساء، فيجعلهن يتسمن بالقدرة على التلقي وفي الترابطية التي تجذب وتربط وتجمع الناس.
بينما يظل هذا المبدأ كامنا في لا شعور الرجال، وعندما يتكامل الرجال مع الجانب الأنثوي في نفوسهم وتتكامل النساء مع الجانب الذكوري الذي يكمن في لا شعورهن، تتحقق الرؤية الكلية التي لا تفصل بين الجنسين ولا بين الإنسانية والطبيعة.
إذن! الرجولة هي حالة الاتزان الداخلي التي يصلها الذكر بين أنوثته وذكورته الداخلية، وهي ترتبط بشكل كبير بمنظومة القيم التي يحملها والتي تتعلق بتحمل المسؤولية والشجاعة والاستقلالية الفكرية وحفظ الأمانة وغيرها من أخلاقيات الرجولة الحقيقيةوبين طيبته وعطفه وإحساسه بالآخر ولطفه وحكمته.
أخيرًا: التصالح مع السقوط أحيانا يمنحك فرصة لالتقاط أنفاسك ويجعلك تحلق عاليا بشكل أفضل فيما بعد وهذا ما حصل مع كريستيانو عند تقدمه بعد إضاعة ركلة الجزاء وشجاعته في البدء في تسديد ركلة الجزاء الأولى للبرتغال ومن ثم الاحتفال بالفوز..
وما رأيت أجمل من قول العباس بن الأحنف حين قال:
نزف البكاءُ دموع عينك فاستعر
عينًا لغيرك دمعُهَا مِدْرَارُ
من ذا يُعيرك عينهُ تبكي بها
أرأيتَ عينًا للبُكاءِ تُعارُ؟!