آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 3:01 م

العمل التطوعي صنعة أهلية

أمير بوخمسين مجلة اليمامة

في مقاله الأسبوعي بعنوان ”الثقافة كصنعة حكومية“ المنشور في جريدة الشرق الأوسط يوم الخميس الموافق 20 يونيو 2024.. ذكر الدكتور توفيق السيف «بأن الحكومات هي الجهة الأقدر على تغيير ثقافة المجتمع. هناك بطبيعة الحال جهات أخرى قادرة على إحداث تغيير بقدر ما ”من سينما هوليود حتى متاجر علي بابا“. لكن لا أحد يباري الحكومة في قدرتها على إنجاز هذه المهمة». وختم مقاله «أميل للاعتقاد بأنه خير للدولة أن تقتصر على التخطيط لأهداف العمل الثقافي الوطني ودعمه، من دون التدخل في تفاصيله. ربما يقول بعضنا إن المجتمع لن يفعل شيئا ما لم تبادر الحكومة إليه. وهذا أمر محتمل جدا. لكنني أظنه نتيجة لنوع من التوافق السلبي على هذه المعادلة، أي إن الحكومة تملك كل شيء فعليها أن تفعل كل شيء. ولو بدأنا في تغيير هذه المعادلة، فربما يتغير الحال، ولو بعد حين». وفي حقيقة الأمر هذا ما نراه في الواقع بأن وزارة الثقافة أطلقت العنان للمجتمع ولأهل الثقافة بأن يبادروا بالقيام بالفعاليات الثقافية في مختلف المجالات والميادين، ولم يكن هناك أي احتكار من قبل الوزارة، بل ساهمت الوزارة بشكل فأعل في تسهيل الكثير من الأمور عبر إنشاء 13 هيئة تكون كمرجعية للفعاليات، والجميع متاح له التسجيل وممارسة العمل الثقافي، وهذا ما كنا نفتقده من تنظيم وسياسات واضحة لتنظيم العمل الثقافي. فالنوادي الثقافية والجمعيات الثقافية والمنصات المتعددة والمعارض وغيرها، والتفاعل الاجتماعي مع هذه المشاريع التي رسمتها وزارة الثقافة دليل على نجاح الوزارة في تطوير الفعل الثقافي في وطننا بعيد عن البيروقراطية الإدارية. بل تحولّت ”الثقافة من صنعة حكومية إلى أهلية“.

ولعل النموذج الآخر الذي تحوّل من الصنعة الحكومية إلى الأهلية هو ”العمل التطوعي والخيري“، إذ أطلقت الحكومة نظام مؤسسات المجتمع الأهلية، وتحوّل العمل التطوعي الذي كانت ترعاه الحكومة إلى جمعيات ومؤسسات أهلية، وذلك من خلال وضع السياسات والأحكام من أجل تنظيم العمل الخيري والتطوعي.

إن تحوّل العمل التطوعي من مسؤولية الحكومة إلى مسؤولية المجتمع يعكس تغيرًا في النهج والمفهوم العام للعمل التطوعي. حيث كانت الحكومات هي المسؤولة الرئيسية عن تنظيم الأنشطة التطوعية وتوجيهها، وكانت تعتبرها جزءًا من وظائفها الأساسية في خدمة المجتمع.

بدأت الاهتمامات والتوجهات تتغير نحو إشراك المجتمع المحلي في العمل التطوعي، وأدرك الناس أنه يمكنهم أن يلعبوا دورًا فاعلاً في تحسين حالتهم وحالة مجتمعهم عن طريق المشاركة في الأنشطة التطوعية. وبالتالي قامت المجتمعات بتحمل مسؤولية تنظيم وتشجيع العمل التطوعي بشكل أكبر.

ولعل عوامل متعددة ساهمت في إحداث هذا التغيّر، أحد هذه العوامل زيادة الوعي بأهمية المشاركة المجتمعية والمساهمة في تحسين الحياة الاجتماعية والبيئية المحيطة بهم، وكذلك التقدم التكنولوجي الذي لعب دورًا مهمًا في تمكين المجتمعات من تنظيم العمل التطوعي وتوجيهه، حيث يمكن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الحديثة للترويج للفرص التطوعية وتنظيمها.

يُعد تحوّل العمل التطوعي من مسؤولية الحكومة إلى مسؤولية المجتمع تطورًا إيجابيًا، يتيح للأفراد والمجتمعات أن يكونوا عناصر نشطة في تحسين وتغيير الواقع الاجتماعي والبيئي الذي يعيشون فيه، ويعزّز هذا النهج المشاركة المجتمعية ويعطي الفرصة للأفراد للمساهمة بمواردهم ومهاراتهم في خدمة المجتمع بطرق مبتكرة وملائمة لاحتياجاته وتحدياته.