الكاتب محمد الحميدي.. وحوار حول الرواية «3»
الساحة القطيفية والنقد الروائي
يلاحظ من خلال الدراسات الأكاديمية والكتب النقدية ومتابعات الصحف والمجلات، أن هناك اهتماماً نقديًا كبيرًا على مستوى المملكة بالرواية، مما تسبب في الارتقاء بها فنيًّا، حتى باتت تنافس على الجوائز الكبرى في الوطن العربي، وهذا ما أشار إليه ”الكاتب الحميدي“.
وقال: لكن هذا الاهتمام الكبير لا نجد آثاره النقديَّة بارزة في الساحة القطيفية، والسبب يعود إلى التركيز الشديد على الشعر لدى أدباء المنطقة، إذ هو اللون الغالب على نتاجهم، بل إن كتاباتهم النثرية غالبيتها تميل إلى الشاعرية، فتقترب من الجملة الشعرية الموجزة الدالة على القصد بالرمز والتورية، اللتان هما سمتان تخالفان أشد المخالفة طريقة الكتابة الروائية، التي تستدعي الانفتاح والتوسع في التفاصيل إضافة للبعد عن التورية والرمز، حيث تُكشف الحقائق أمام القارئ كما هي.
وأردف لهذين السببين نلحظ تدني مستوى الكتابة الروائية في القطيف، مما أفرز عزوف النقاد عن مقاربتها، ولكن إذا ارتقت فنيًّا فبكل تأكيد سيتم تناولها والحديث عنها نقدياً، وربما يضاف سبب ثالث لقلة المقاربة النقدية للرواية؛ يتمثل في ندرة النقاد الروائيين في القطيف، فالأسماء محدودة ولا تصل عدد أصابع اليد الواحدة.
وبيَّن أن الروايات من أكثر الأنواع الأدبية قراءة، فتكفي نظرة سريعة لعدد الطبعات ليدرك المرء أن الرواية تُقرأ على مستوى العالم أجمع، ومنطقتنا ليست استثناء، فأكثر القراء يتجهون للرواية بسبب سهولتها ووضوحها وإمكانية إدراك ما ترغب بطرحه ومناقشته.
وتابع إزاء الانتشار الواسع للرواية في القطيف يمكن ملاحظة قلة القراء الجادين المدركين لأطروحاتها، ولعل السبب في ذلك يعود إلى التركيز على إبداعيتها وشاعريتها، دون النظر إلى خطوات بنائها ونسجها، فمن يتعمق بهذا الجانب هم المتخصصون، وهؤلاء قلة.
وأوضح بأن الاهتمام الكبير بالرواية دفع الكثير إلى محاولة خوض تجربة كتابتها، التي لم تقتصر على الروائيين فحسب، إذ شملت أيضاً شعراء وأدباء ومثقفين؛ حيث سهولتها ووضوحها يمثلان إغراء لهم، وهكذا دخلت فئات عديدة ضمن كُتاب الرواية، بهدف إيصال وجهات نظرهم وأفكارهم إلى أكبر شريحة من شرائح المجتمع.
وهنا أشار إلى الإنتاج الروائي النسائي قائلاً: الجنس الروائي جنس مقروء على مستوى الفئات العمرية المختلفة وخصوصاً لدى النساء، اللائي وجدن فيها محاكاة لواقعهن وإشارة لهمومهن وما يعتمل داخل صدورهن، فلهذا حين لجأن للبوح؛ اتجهن بشكل طبيعي إلى الرواية، لأنها تتمكن من استيعاب جميع التجارب، ومختلف الأحداث، بالإضافة إلى سهولة كتابتها، وتحررها من القيود، سواء على مستوى المساحة أو على مستوى اللغة، وهكذا غدت الجنس التعبيري المفضل لديهن.
وتابع السنوات العشرون الأخيرة شهدت ولادة الكثير من الروائيات على مستوى المملكة عموماً والقطيف خصوصاً، وهذا مؤشر على اتساع مساحة القراءة لدى المجتمع، والرغبة في التعبير عن الهموم واللواعج عبر الكتابة؛ حيث هاجس البحث عن المستمع، تحول إلى هاجس البحث عن قارئ.
وأضاف بأن التجارب الكتابية الكثيرة أنتجت فنيات متفاوتة بعضها مرتفع وبعضها منخفض، ومن أجل المحافظة على المستوى المرتفع؛ ينبغي على الروائية أن لا تكتفي بإصدار واحد، ثم تهمل إبداعها فيما بعد، لأن ارتقاء المستوى يأتي عبر الاستمرار في ممارسة الكتابة.
واختتم بقوله: الاكتفاء بإصدار رواية واحدة، والابتعاد بعدها، يعتبر جريمة تقترفها الكاتبة في حق نفسها؛ لأنها لم تبح بجميع ما لديها، وفي حق إبداعها؛ حيث لا يمكن الحكم على الكاتب من خلال عمل واحد فقط.