آخر تحديث: 8 / 9 / 2024م - 12:11 ص

الحابل بالنابل

يسرى الزاير

يبدو أنه اختلط الحابل بالنابل فأصبحت قلة الذوق ثقافة البعض في مجتمع دوماً ما اتصف بثقافة الذوق العام والرقي.

بالتدريج مع تداخل الأوساط المجتمعية بعضها ببعض بفعل التوسع العمراني من جهة وتباين العلاقات الاجتماعية وسرعة التطورات والمتغيرات البشرية من كل حدب وصوب… إلخ

مما ساهم بإضافة الجمال في فسيفساء المجتمعات في كل بقاع العالم بنسب متفاوتة بحسب خصوصية الناس فيها، وبعيداً عن إيجابيات ذلك الذي لا يخفى على إنسان.

تسللت لمجتمعنا طباع كانت منبوذة لنجد أنفسنا فجأة في دوامة من السلوكيّات الدخيلة البعيدة كل البعد عن الذوق العام والاحترام.

تلك السلوكيات مع الأسف الشديد غزت البيئة التي كانت في يوم منّ الأيام محصنة بقانون الاحترام، عندما كان الاحترام فرضا وليس اختياراً. «حسب الأصول» في الأصول يختزل كل ما يتعلق بالمناسبات الاجتماعية وما يترتب عليها.

لذلك من لا يجد نفسه كفؤا للمناسبة والمكان فهو لا يحضر كي يوفر على نفسه درساً في التأديب.

فما بالنا اليوم وقد تفشت قلة الذوق جميع مناسباتنا بلا استثناء، وفي كل مكان خاص كان أم عام.

في الأفراح نتجاوز عن الكثير من السلوكيات والترتيبات التي تصل لحد تحويل الفرح لكارثة.

وذلك موضوع اترك الاستفاضة فيه لوقت لاحق.

واسترسل آسفة عن مناسبات العزاء في مجتمعنا القطيفي التي أمست بفعل البعض ممن ينقصهم الذوق والاحترام كارثية بمعنى الكلمة، مما يضاعف من حزن أهل المصاب ويتلف أعصابهم.

مظاهر مزعجة غير حضارية نجدها في تحلق البعض في أنحاء متفرقة من صيوان العزاء وبالقرب من أهل المصاب……

أصوات عالية وضحكات هنا وهناك……

فوضى تعم المكان……

لدرجةٍ يبدو فيها ذوي الفقيد وكأنهم في عالم غير العالم وكأنهم غرباء في مكانهم وكأن عزاءهم فسحة لقاءات ومزاح.

ترى في وجوه أهل المصاب مسحة القهر والضيق تعلو على ملامح الحزن والوجع بسبب أن هناك من بين المعزين من جاء ليسرق من ذاكرة الوقت روح العزاء ويلهب الأوجاع.

ناهيك عن تلك المداولات الجانبية عن أخص خصوصيات الفقيد وأدقها فلا يتوانون عن الإفتاء حتى في أمور ورثته ووصيته.

صدّقا هناك ناس من شدة الوقاحة لديهم لا تجد طريقة تنهرهم بها ولا أسلوب يليق بالتعامل به معهم.

لذا يكون السبيل الأمثل تجاهلهم، وكان لا وجود لهم…

لتأتي الطامة الكبرى، حين يتمادى ذاك الجاهل والوقح ومع الوقت يعتاده الجمع، فيصبحون حالاً واقعاً، بذلك تفشت مثل تلك السلوكيّات السيئة وعليها سادت الفوضى مناسباتنا وبغير مبالاة انتهكت أكثّر الأوقات حساسية، وشوهت ذكريات ستبقى ما بقينا.

حتى بتنا كثيراً ما نسمع أن البعض أصبح يوصي بأنه عندما يموت لا يريد أن يفتح له مجلس عزاء، حيث لا يريد أن يكون محل ما يراه في مجالس العزاء.

وحدث ولا حرج عندما تأتي تلك السلوكيات المهلهلة، السخيفة من أهل الدار وكأنها فرصة للتشفي والانتقام لأحدهم وإلى آخر فرصة للفتنة ودس السم في العسل وللبعض تداول آخر أخبار المجتمع، وكل ما يخطر وما لا يخطر على بال.

حقيقة أصبحت مناسباتنا عبئا وضغطا نفسياً علينا سوى كنا أهل المناسبة أو ملبين لها.

فقد أصبح من النادر أن نعود لبيوتنا بعد حضورنا أي مناسبة اجتماعية ونحن بكامل حيويتنا وهدوئنا.

على العكس تماماً من الماضي، حين كانت المناسبات تسير كما ينبغي وأكثر.

حين كانت الأصول حاضرة، يتبعها الجميع كلاً من حيث موقعه بكل سلاسة وتقدير واحترام.

لم يكن للعشوائية مكان وليس لتجاوز حدود اللياقة مجال.

كان أهل المناسبة يفرضون ما يناسبهم ويديرونها كيفما يريدون ولا يسمح بغير ما يتوافق مع عاداتهم وقيمهم ومبادئهم بالحضور، فلا مجال للإخلال بترتيبات المناسبة مهما كانت.

عجباً كيف عمت الغوغائية المجتمع مثل النار في الهشيم، وأصبح الاحترام طيفاً من الماضي البعيد.

أما الأسباب فمتعددة وأكثرها بروزاً من وجهة نظري الخالصة هو اختلاط الحابل بالنابل في ظل التسليم بنظرية العولمة وانسحابها على كل المضامين، فغابت القيم ودفنت المبادئ فلا احترام ظهر ولا أخلاق تسمو وضاعت المعاير.

هنا يحضرني المثل الذي يقول كانوا في جرة وطلعوا لبره.

أولئك الدخيلين على التحضر والمدنية، ممن وجدوا أنفسهم بين يوم وليلة في قلب العولمة، فحصل لديهم صدمة حضارية فلا هم عارفين حجم ثقافتهم ولا هم مستوعبين معنى العولمة والتقدم.

فتجدهم هشيم تقدم ومرآة ضبابية تعكس صورهم بشكل مرتبك غير ثابت الملامح.

لذا أينما تواجدوا تواجد خلالاً هنا وإرباكا هناك.

تمنياتنا أن تسد تلك الثغرات المزعجة التي تعكس انحداراً في الرقي الاجتماعي ليعود مجتمعنا يسمو بالعادات والمثل الراقية الجميلة التي تربينا وكبرنا عليها.

يجب أن تكون العادات الجميلة هي المعدية وليس السلوكيّات الدخيلة هي التي تنحدر بنا.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 3
1
ابوحيدر
[ القطيف ]: 30 / 6 / 2024م - 4:27 م
هي ليست عادات بل هي اعراف متعارف عليها تحولت لعادات .. وكما جاء في الاحاديث تحريم الضحك او السوالف عند تشييع الجنازة ومثلها عند مجلس العزاء (الفاتحة) وكما ذكرتي لذلك على الخطباء التذكير او طرد من لا يعقلون من المجلس
2
إياد
30 / 6 / 2024م - 7:10 م
أختي الغالية أم عبد الله،

نعم !
دائما قلم يسعى للإصلاح في المجتمع.
حفظك الله وسدد مساعيك المخلصة.
3
جهاد الهاشم
[ سيهات ]: 1 / 7 / 2024م - 8:35 م
أحسنت الطرح بارك الله قلمك