آخر تحديث: 4 / 12 / 2024م - 9:38 م

القراءة وفِعلها

يوسف أحمد الحسن * مجلة اليمامة

قد تقرأ كتابًا وتنساه في اليوم التالي، وقد تقرأ آخر ويبقى في ذهنك ما حييت؛ وتبقى متشوقًا له، محبًّا لغلافه، عاشقًا لكاتبه سنوات طوالًا. وبين هذا وذاك هناك درجات لامتناهية من التفاوت في تأثيرات الكتب. لكن تأثيرات القراءة هذه قد لا تقتصر على فهم معاني كلمات كتاب ما، بل تتجاوزه إلى ما هو أبعد، بما يقبع خلف الكلمات وما تؤثر به في حياتنا وما نفعله.

بعض الكتب تؤثر فيما نقوم به في حياتنا، ولا أزال أتذكر بعض الكتب التي قرأتها بدايات دراستي الجامعية، سواء كانت أكاديمية أو عامة، حيث كنت أخرج من غرفتي الجامعية الصغيرة بعد قراءتها وقد تملكتني رغبة جامحة في الانطلاق وتغيير بعض جوانب الواقع العلمي والاجتماعي المتخلف الذي كنت حينذاك أراه غير مقبول. فأقوم حينها ببعض الأفعال التي كنت أرى أنها سوف تؤثر في ذلك الواقع، وبذلك كنت أشعر بهدوءٍ وقتيٍّ، معتقدًا بأنني قد قمت ببعض واجبي تجاه المجتمع. كل ذلك كان بسبب كتاب واحد أو عدة كتب.

تلك كانت بعض أوجه تأثير القراءة حين تتسلل أفكار الكتاب إلى وجدان القارئ وتستقر فيه، فتظل مؤثرة فيه تستحث همته، وتحركه من الداخل كي ينفض غبار الكسل والدعة، ويقوم بما يقتضيه الأمر فيما يتعلق بموضوع الكتاب.

وعن تأثير الكلمة يحدثنا القرآن الكريم: ﴿أَلَمۡ تَرَ كَىۡفَ ضَرَبَ آللَّهُ مَثَلࣰا كَلِمَةࣰ طَىِّبَةࣰ كَشَجَرَةࣲ طَىِّبَةٍ أَصۡلُهَا ثَابِتࣱ وَفَرۡعُهَا فِى آلسَّمَاۤءِ [إبراهيم-24].

وعن مفهوم قريب من ذلك يقول الكاتب فانسون جوف في كتابه «القراءة» الذي ترجمته دار رؤية: القراءة ليست مجرد البحث عن المعاني؛ بل هي أيضًا البحث عن أنحاء التأثير الذي تتركه فينا، إذ يمكنها أن تغضبنا أو تخيفنا أو تغرينا. فتأثير الكتابة فينا يتجاوز مجرد فهمنا لها. وهذا ما نسميه أحيانًا نموذج ”الأدب - الفعالية“ الذي لا يعتبر النصوص مجرد تعابير لغوية، بل هي أيضًا أداء وفعالية. قدرة النصوص على جعلنا نقوم بأشياء، هي القدرة نفسها التي تجعلنا نفهم المعنى الكامن فيها «ص168-169».

*سجين ولكن سجني الكتاب - وأغلالي الآسرات السطور. الشاعر بدر شاكر السياب