بين متعة القراءة وعمق المعرفة
هناك من الكتب ما يثريك بمعلوماته أو بجزالة ألفاظه، ولا تنتهي منه إلا وأنت شخص آخر تمامًا من حيث الكم المعلوماتي الذي حصلت عليه، وهناك في المقابل كتب تكتفي منها بالمتعة وأنت تتنقل من صفحة لأخرى ومن فصل لآخر؛ مثل بعض الروايات أو كتب الترفيه والتسلية. وبين هذين النوعين من الكتب ما يجمع بينهما أو ما لا يعدو كونه كتابًا بحروف سوداء متراصّةٍ لا تدري ما يقصده الكاتب، الذي ربما هو نفسه لا يدري ما يريد أن يقول.
وتُعد القراءة تجربة إنسانية جميلة ورائعة تأخذ القارئ في رحلة فريدة من نوعها، وكأنما المار بها يتجول في عقول كاتبيها، متنقلًا من بلد لآخر يتعرف عليها، وسابرًا لأغوار أفكار الفلاسفة والمفكرين والمثقفين، قاطفًا زهرة من كل بستان أو ناهلًا قطرة من كل بحر.
وقد يكون الكاتب قضى عقودًا من عمره في البحث والمطالعة وإعمال الفكر حتى يخرج لنا بكتاب يُقرَأ في ساعات أو أيام، وقد يكون نتيجة تجارب عملية في مختبر أو في الميدان لكي يصل إلى نتائج نستلمها ونحن في أتم الراحة.
ومهما يكن مستوى الكتاب، أو هدفك من شرائه، فإنك حين تتصفحه وتقرؤه تكون بذلك قد طويتَ صفحةً من الجهل واستقبلتَ أخرى من الفهم والإدراك، وشرعت بابك إلى عالم من المعرفة قد يأخذك بعيدًا عمّا أنت فيه اليوم، ربما ببطء، حتى لو لم تشعر بذلك، وحتى لو اعتقدت بأنك لا تتذكر أي شيء مما قرأت، فالمعرفة تشبه الطعام الذي تأكله ويتحول في داخل جسمك إلى عناصر غذائية مفيدة، ويغذي دماغك ويبني عضلاتك حتى إن لم تتذكر ما أكلته بالفعل.
اقرأ ثم اقرأ ثم اقرأ ولا تلتفت للخلف، وستجد أنك مع مرور الوقت تحولت إلى إنسان آخر يختلف عن ذلك الإنسان الذي كنته قبل القراءة. المهم ألَّا تتوقف عن القراءة في الجوانب التي تعتقد أنها تنقصك أو تهمك معرفتها.