معطيات الغدير الأغر
أشرقت الأرض بنور ربها، وتمخضت عن حدث رباني أزلي لا تزال آثاره باقية إلى قيام الساعة، يغمر الدنيا فرحة وبهجة وحبورا للمؤمنين والموالين. إنه ذلك الوعد الإلهي الذي صدع به رسول الله ﷺ يوم الغدير الأغر، مبشرا ومعلنا على ملأ من أمته: ”من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه“، كلمة حق وفضيلة إلى من يكمل المسيرة الإلهية من بعده بكل أمانة وإخلاص وتضحية.
لقد هيأ الرسول ﷺ الإمام عليًا لخوض الغمرات، ودحر الشرك والظلمات، ومحاربة الفساد والطغاة، ليبقى الإسلام شامخًا باقيًا على نقائه وعطائه من غير تدليس ولا تلبيس ولا تعطيل أو تأويل مخالف لحقيقة الإسلام المحمدي الأصيل. فكان الإمام علي خير خلف لخير سلف في تحمل المسؤولية والقيام بواجباتها والسير على نهجها القويم ذات الأسس القيمة والمعنى السامي والهدف النزيه، وإقامة العدل وطمس الظلم وقهر البغاة حتى يعطي كل ذي حق حقه كما أقرتها الشريعة السمحاء.
إنها والله لمناسبة وذكرى ترفع رؤوس المؤمنين، وتذل رؤوس المنافقين حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، ولا يكون هناك مجال للتشويش المتعمد من قبل قليلي الإيمان وتبعة الشيطان ومفرقي الجماعات. لقد تحمل أمير المؤمنين هذه الجبهات بالصبر والثبات، ولم تأخذه في الله لومة لائم في إقامة الحق وزهق الباطل كائنًا من كان، على رغم كل الصعوبات وكثرة النزاعات. ولكنه وقف كالأسد الهزبر يواجه أولئك المتآمرين والمتصيدين الانتهازيين الذين سعوا في الأرض فسادًا ودمارًا، وقد صدق الله في محكم كتابه: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد: آية 7]. فإن للباطل جولة وللحق جولات على الباغي مهما طال الزمن أو قصر، فهذه إرادة الله على خلقه وما هي إلا حلقة من حلقات الإرادات والصراع بين الحق والباطل.