أولاً وقبل كل شيء!
في المجتمعات العربية المحافظة، عادة ما يتم ترتيب الزواج بين عائلتي العريس والعروس لذلك تلعب العوائل دوراً محورياً في الاختيار والتوفيق بين العريسين. تتزوج البنت مبكراً أيضاً في المجتمعات اللعربية، وتعتبر متأخرة في الزواج عندما تبلغ تقريباً نهاية العشرينات.
تقدمت إحدى العوائل لخطبة فتاة يتيمة تأخرت قليلاً في الزواج، كانت الفتاة جميلة وربة منزل أصيلة تجيد الطبخ والنفخ والعناية بكبار السن والأطفال. استغرب أهل الفتاة من رغبة تلك العائلة في مصاهرتهم لكون العائلة ثرية ومعروفة و» برستيجهم» لا يسمح إلا من الزواج من العوائل التي في مستواهم، وافقت الفتاة، وتم عقد القران والزواج سريعا، وفي ليلة الزفاف، اكتشفت الفتاة أن زوجها معاق ذهنياً، وإذا عرف السبب، بطل العجب، للأسف، لم تكن الفتاة إلا دمية قررت العائلة شراءها لطفلهم المدلل.
من القصة السابقة، نستطيع أن نستنتج أن مشروع الزواج يبدأ غالباً من العائلة، فإذا كانت العائلة مقدرة لحجم المسؤولية الملقاة على عاتقها، ملتزمة بالقيم والمبادئ الحميدة وتضع في اعتبارها معايير الدين والأخلاق والتوافق العام بين الطرفين، عوضاً عن الانسياق وراء الاعتبارات الشكلية الضيقة كالنسب والثروة والمكانة الاجتماعية، وبعيداً عن محاولات الاستغلال اللا أخلاقية، فستكون محاولة التوفيق بين الخاطب والمخطوبة قائمة على أسس سليمة وليس مجرد صفقة.
لا تكمن أهمية الزواج في كونه فقط تلبية للحاجات الفطرية للإنسان كالرغبات الجسدية والإنجاب والتكاثر لبقاء واستمرار البشرية، بل لكونه إطاراً شرعياً واجتماعياً يحفظ عفة الشباب ويبعدهم عن الحرام ويكفل لهم حقوقهم وحقوق أطفالهم، نتاج ذلك الزواج، أيضاً، يوفر الزواج الاستقرار النفسي والعاطفي والاجتماعي وينمي حس المسؤولية ويرفع ويعجل النضج الشخصي للفرد، أما بالنسبة للمجتمع، فيساهم الزواج في تحقيق الترابط والتكافل الاجتماعي، يساعد في استقرار المجتمع وأمانه، وترسيخ القيم الأخلاقية والاجتماعية السامية.
الزواج هو عهد أمام الله ورباط إلهي مقدس يجمع شخصين قررا المضي في رحلة الحياة معاً لباقي عمرهما، ولذلك من المهم أن يشد ذلك الرباط بقوة تجعله لا يرتخي مع مرور السنين ولا ينقطع، ويبقى صامداً، حتى لو اهترأ بسبب ما قد يواجه الزوجين من صعوبات الحياة والملل من الروتين المحتم. ولا سبيل لذلك إلا بالنقاش والمصارحة المسبقة للوصول لأعلى درجات التفاهم وخلق نقاط التقاء عقلانية وواقعية بين الطرفين، إن بذل مجهود للتفاهم بمنطقية والاتفاق على بعض الأمور الأساسية قبيل الزواج يمهد الطريق لحياة زوجية مستقبلية سعيدة.
