رحيل معلم التنوير الدكتور محمد الرشيد
٢ تعليقات لم يكن الدكتور محمد الرشيد مجرد وزير للتربية والتعليم في المملكة، فقد حمل الرشيد بداخله راية التغيير المنهجي للتعليم منذ دخوله الوزارة عام 1996م، وكان التعليم حينها «يئن» تحت الإدارات المحافظة والمتشددة، التي قامت بتحويل المؤسسة التعليمية حينها إلى مؤسسات دينية وأصبحت معظم المدارس حينها متخصصة في الشريعة، مبتعدة عن الفكر العلمي الذي يمكن من خلاله بناء شخصية التلاميذ.
حارب الراحل الرشيد معظم التيارات المتشددة حينها، في محاولة للحفاظ على الاعتدال والوسطية، والتركيز على الجانب العلمي حينها، وحمل التغيير على عاتقه، رغم وقوف التيار المتشدد ضده ومحاولة قذفه بأبشع التهم والتنكيل به أثناء وجوده في الوزارة معتبراً إياه صاحب فكر «تغريبي»، وهذا «ديدن» تلك التيارات حينما تحارب الفكر الإصلاحي بتهمة التغريب والانتماء للغرب والعمالة.
أي غرب هذا الذي ينتمي له ابن «المجمعة»، وصاحب البحوث والدراسات المميزة في مجال التقدم العلمي لإرساء قواعد تعليم صحيح في مدارس كانت حينها أشبه بتعليم «محو الأمية»، حينما كان التركيز فيها على مواد العلوم الدينية وتجاهل العلمية، واستبعادها من الرسوب؟.
لقد مر التعليم في المملكة بعدة مراحل، وكانت مخرجات كل مرحلة تنعكس على الجيل بعد مرور 12 عاماً على الطالب من الحقن المدرسي للفكر «المتشدد»، وكان كل جيل يتشكل حسب المرحلة التي تم إنتاجه فيها، «وهذا مالم يكن موجوداً بصورة ملحوظة في سبعينات القرن الماضي» حيث أسهمت تلك المرحلة بمجموعة من المتميزين في الفكر الخلاق والمبدع، أما مرحلة منتصف الثمانينات ومطلع التسعينات فقد أوجدت بيننا ذلك المتشدد الذي يتجول في الأسواق معتقداً بأنه موظف في الهيئة ويقدم نصيحته «المجانية»، للنساء حسبما تم «تلقينه» في المدرسة، ويفتعل المشكلات للشباب بناء على رؤيته الشخصية، المبتعدة عن التسامح وقبول الآخر، وأن هناك أجهزة في الدولة هي المسؤولة عن المواطنين.
ولعل الرشيد أثناء وجوده في الوزارة قبل خروجه عام 2005م كان يعاني من هؤلاء الرافضين لأي فكر تغييري يصلهم فكانوا يبعثون برسائلهم و«يبرقونها» للجهات العليا مطالبين بإقالة الوزير من منصبه، وظلت هذه الملاحقات مستمرة حتى أثناء ابتعاده عن الأضواء في التعليم وتفرغه كمحاضر وعضو في مجلس الشورى حيث يقول «لا أحب أن أشغل نفسي بتهديد أو شتيمة».
لعلنا في وزارة التربية والتعليم بحاجة إلى شخصيات قيادية تستطيع أن تحارب الفساد بقوة، ولا يقوم مدرس مادة اللغة الإنجليزية بتلقين الطلاب بأن التليفزيون المنزلي «حرام»، وهو لا يشاهد التلفاز في منزله، ولا يأتي مدرس العلوم ويلقن الطلاب بأن المرأة التي تطالب بحقوقها خارجة على الدين، فيأتي الطالب لا يفقه من العلوم الفيزيائية سوى نظرية القمع المنزلي، ويتهم أخواته في المنزل بأنهن منحرفات ومنجذبات إلى الفكر الغربي.
«التعليم في الصغر كالنقش على الحجر»، وما تزرعه وزارة التربية في أبنائنا اليوم سنحصده بعد عشرة أعوام، وكل منا يمتلك قصصاً وحكايات من أفواه الطلاب، وليتنا نخرج كما أراد الرشيد «رحمه الله» ذات يوم من التعليم التلقيني إلى التعليم الحواري الذي كان يتحدث عنه بول فيراري قبل 35 عاماً، ونتساءل هل مدارسنا اليوم حوارية أم تلقينية «تعجيزية».