حالة القراءة في الوطن العربي
يبدو أن أزمة القراءة في العالم العربي، أزمة تُضاف إلى منظومة الصعوبات والمعوقات والأزمات التي يُعاني منها الوطن العربي من محيطه إلى خليجه، مما أدى إلى هذا التراجع الخطير للدور العربي على كافة الصعد والمستويات، وذلك باعتبار أن القراءة بمفهومها الشامل والحديث ليست مجرد الجهر والنطق بالكلمات المكتوبة، أو حتى اشتمالها على بعض النشاطات العقلية كالمعرفة والفهم، ولكنها عملية فكرية عقلية تستند على العديد من المهارات كالنقد والتحليل مما يؤدي إلى تفاعل منهجي بين القارئ وبين ما يقرأ. القراءة هي أهم وسيلة لكسب العلوم والمعارف والأفكار والخبرات، وهي لغة التواصل بين الحضارات والشعوب، وهي العامل الأهم في تكوين الشخصية الإنسانية بأبعادها المختلفة.
بمحض الصدفة وقعت أمام عيني ورقة علمية كنت قد أعددتها للمشاركة بها في أحد الملتقيات الوطنية الثقافية والذي خصص جلساته لمناقشة وتداول الحالة العربية المتعلقة بالقراءة في العالم العربي. ”أزمة القراءة في العالم العربي.. تحديات وحلول“، بهذا العنوان الكبير والطموح، حاولت أن أقترب قليلاً من هذا الملف الساخن والمفتوح منذ عقود طويلة في عالمنا العربي، ملف حاضر وبقوة في مؤتمراتنا وملتقياتنا وندواتنا وسجالاتنا التي لا تنتهي، لأنها أي تلك المؤتمرات والندوات أسست لثقافة حصرية بنا نحن العرب، وهي ثقافة المؤتمرات التي نُكرسها بكثافة ونعشقها بجنون، بعيداً عن كل ما تقدمه هذه ”التجمعات البشرية“ من خدمات وخبرات وحلول للكثير من الموضوعات التي تتبناها، فقط يكفي أن يُعقد من أجلها مؤتمر هنا أو ندوة هناك، كما يكفي أن تُعقد على تلك المؤتمرات والملتقيات بعض الآمال والطموحات.
أكثر من عقدين تقريباً، على تلك الورقة الطموحة المتحمسة والتي حظت بشيء من الاهتمام والتفاعل من قبل ذلك الحضور الكثيف والذي كان أغلبه من الأجيال الشابة، أكثر من عقدين من الزمن، ولكن حالة القراءة في الوطن العربي لم تتغير كثيراً، تماماً كما لو أن تلك الصفحات والحكايات لم تُقرأ، وكل تلك المحاولات والمحفزات لم تستطع أن تُغري الإنسان العربي بجعل القراءة ممارسة تستوطن ذائقته ومزاجه.
وحتى يمكن معرفة وتحديد واقع المؤشر القرائي ووحدة قياس القراءة في الوطن العربي، للوصول إلى تصور واضح عن حقيقة الحالة القرائية في الذهنية العربية الحديثة، لا بد من استدعاء الأرقام والنسب التي تُقارب، بل تفضح هذه الأزمة البنيوية في العقل والفكر العربي. المقال القادم، سيكون مزدحماً، كما أظن، بالكثير من الأرقام والنسب والإحصائيات التي تتعلق بحالة القراءة في الوطن العربي.