من آفات القراءة
أن يقرأ أحدنا فهو أمر مطلوب، وأن يفهم ما يقرأ فهو هدف القراءة، وأن يعي - نتيجة ذلك - بعض جوانب صفات مجتمعه فهو أمر جميل للغاية. لكن ما يحدث عند البعض هو أنه ونتيجة هذا الوعي بحالة مجتمعه والسلبيات التي يعيشها، ونبذه لها أو ترفعه عنها، فإنه قد يحصل لديه فائض من الشعور بالفهم والإدراك، ما يجعل المجتمع بنظره جاهلًا، بل منغمسًا في مستنقع الجهل والتخلف. هذا مقابل شعوره بأنه أعلى شأنًا من غيره من الناس، وأن عليهم أن يرفعوا من قدره، وأن يقتدوا به ويقبلوا جميع تفاصيله. والمصيبة في الموضوع هو أن لدى المثقفين قدرة هائلة على تسويغ ممارساتهم وتبريرها ثقافيًّا وفكريًّا، بل وحتى دينيًّا أحيانًا، بحيث يبدو ما يقومون به هو الصواب، وأن المجتمع جاهل، وهو أيضًا جاحد لحقوقهم وأقدارهم الحقيقية، وربما تبجحوا بأنهم من صنف «عالم ضاع بين جهّال»، ومن ثم فقد يؤدي هذا الشعور إلى الترفع على المجتمع، إلى درجة الغرور، وذلك هو الخطأ بعينه، لما قد يستتبعه من نتائج ومآلات على القارئ نفسه وعلى علاقته بآحاد ومجموعات مجتمعه، اللهم إلا إن كان سيؤدي إلى تحمل القارئ لمسؤولياته في إحداث تغييرٍ ما «صغر أو كبر» في هذا المجتمع.
ويمكن أن يخلق هذا الشعور بالترفع أيضًا حاجزًا بينه وبين محيطه يمنع أي تأثير أو تأثر، ويخلف في النتيجة مجموعات من الجُزر الشخصية المعزول بعضها عن بعض رغم وجودها في مكان واحد. وقد توجِد هذه الحالة ردود فعل سلبية تجاه القراءة والقراء عامة، حين يتم إيجاد تلازم بين عالم القراءة والثقافة والترفع على المجتمع ونعته بأسوأ الأوصاف، وهو آخر ما نريده في النتيجة.
والبديل المطلوب كما يراه بعض متخصصي علم الاجتماع هو التواضع للناس، وقبول تفاوت مستوياتهم الثقافية، والتعاطي مع ما يقتضيه ذلك بمحاولات متتالية للتغيير التدريجي لهم، مع الحفاظ على ما يسمى السلم الاجتماعي. نحن بحاجة إلى من يقرأ المجتمع بشكل صحيح جنبًا إلى جنب مع قراءة الكتب، ثم انتهاج الأسلوب الأمثل لتقويم أي اعوجاج نراه مع تقبّل المجتمع بإيجابياته وسلبياته.
*إذا لم تتعلَّم أن تكبَح جماح المثقف فيك فَستجد أنك دائمًا ما تصِل إلى الاستنتاجات الخاطئة؛ إذ إنَّهُ لا يوجد غرور يوازِي غرور المثقّف. دوروثي براندي مؤلفة كتاب «لياقات الكاتب».