القراءة ووهج الأسماء الكبيرة
يتوجه بعض المبتدئين في عالم القراءة إلى الأسماء المشهورة رغبة منهم في قراءة الأدب الحقيقي، وخشية من تفويت نصوص مهمة ربما يواجهون نقاشًا حولها في مكان ما، فهل من الضروري أن يكون النصُّ التابع لكل مشهور أو معروف أو أديبٍ مرموقٍ رائعًا بالفعل؟
لا أظن ذلك، ولا أظن أن أصحاب الأسماء المشهورة أنفسهم يرونه هكذا، ذلك أن لكلٍّ أوقاتٌ يتألق فيها وأخرى يخبو فيها، من حيث نصوصه كما هو الحال في حديثه، وحتى في الأمور الأخرى كالصحة والمرض والأناقة وغيرها.
المشكلة التي تحصل أن لَمَعان الأسماء المشهورة يمكن أن يعشي البصر عن النظر إلى سلبياتهم، ويحوّل كل أعمالهم إلى أعمال خالدة حتى وإن لم تكن كذلك. لسنا هنا في مجال أن نغمط أحدًا حقه، فهؤلاء المشهورون قد بذلوا جهودًا جبارة في مرحلةٍ ما قبل أن يصبحوا كذلك، ويستحقون كل احتفاء بهم وتقدير، لكن استمرار التصفيق لهم في كل نص يصدر عنهم هو نوع من الاستهانة بالأدب واستهتار بعقول الناس. كما إن عدم نقد أعمالهم نقدًا واقعيًّا يجعلهم يركنون إلى واقعهم ولا يواصلون التألق ومحاولة تصحيح نتاجهم المستقبلي.
ومن ناحية أخرى فإن الاستسلام لسطوة الاسم قد يكون على حساب الأسماء الصاعدة التي غالبًا ما تنالها سهام النقد. ولذلك فإن من الأجدر تناول الأعمال الأدبية بغض النظر عن الاسم. صحيح أن ذلك غير ممكن تحققه كليًّا، إما بسبب المجاملات أو بسبب الوهج الذي يتميز به أصحاب الأسماء الكبيرة، لكن يجب أخذه في الحسبان، ومحاولة التجرد من المشاعر المتداخلة؛ حتى يأخذ كل ذي حق حقه، ويتاح المجال للأسماء الجديدة أن تأخذ حقها من التقدير، كل حسب قدرته وكفاءته.
*لي قراءات عميقة في النقد، لكني لا أستعملها خلال قراءاتي؛ قلبي أهم من كل نظريات النقد. عندما أقرأ أكون مجرد قارئ يعتمد على خبرته وطول معايشته وحبه.
نجيب محفوظ.