لا طبنا ولا غدا الشر
كان من أشد المؤيدين للنساء وحقوق النساء، لا يخلو حديث معه عن المرأة واضطهاد الرجل للمرأة على مر العصور، تشعر بالغضب في كلماته وبالحنق في نبرة صوته وهو يتكلم عن الرجال الذين يجبرون النساء على لبس العباءة، الحجاب والنقاب، يشتم ويلعن أي رجل يراه مع امرأة متلحفة بالسواد، يتقدم الصفوف ويسبق حتى النساء في أي تظاهرة نسائية للمطالبة بحقوقهن، يزبد ويرعد إذا تحدث أحد أمامه عن ولاية الرجل على المرأة، عندما تزوج، قابلته وزوجته صدفة وكم كان فخوراً بنفسه أنه جعلها تخلع الحجاب بقناعة كما كانت تلبسه بقناعة!!
كانت وما زالت قضايا المرأة، حقوقها وحريتها تشكل محور جدال مستمر على مر العصور وفي كل المجتمعات حول العالم. وقد عانت المرأة منذ الأزل من التهميش والتمييز ووضعت القيود على حريتها وطموحها، وكان الجميع يناقش ويشارك في اتخاذ القرارات الخاصة بها إلا المرأة نفسها.
لقد عانت المرأة حتى في مجتمعاتنا العربية وخصوصاً من الصحويين الذي كانوا يودون لو نعود لعصر الجواري، وسوق النخاسة وملك اليمين، كانت المرأة في عين الصحويين ليست إلا عورة، وفتنة، وناقصة عقل ودين، لديها استعداد كبير للفجور إذا لم يكبح جماحها ولي أمرها. رفضوا خروجها من المنزل للدراسة، أو العمل أو السفر لوحدها، أطلقوا مصطلح خلوة على أي مكان توجد فيه المرأة بالقرب من رجل، حتى لو كانوا بكامل الاحتشام وفي مكان عام ما عدا وجودها مع السائق الأجنبي، رفضوا قيادتها للسيارة لأنها ملكة وليس لأنها ستكون حرة وتذهب لأي مكان تريده مما يؤدي لانحرافها وفجورها، بالنسبة للصحويين، المرأة هي دائماً الجانية والمجرمة، فإذا تعرضت للتحرش فالسبب لبسها، وإذا كانت محتشمة فالسبب وجهها، وإذا كانت منقبة فالسبب عيناها، وإذا كانت مغطاة الوجه فالسبب خروجها من المنزل!
كما تعاني المرأة أيضاً من النسويين أو مؤيدي النسوية من الرجال والتي تعتبر بالنسبة لهم مجرد سلعة للوصول لمآرب دنيئة، يظهرون دعمهم للنساء وقضايا النساء وتأييدهم لحرية المرأة، لكنهم ذكوريون من الداخل حتى النخاع، يمارسون عليها ذكوريتهم بأناقة ورقي وكله بالإقناع، فيقنعونها بأنها يجب أن تتحرر من القيود ومن اللباس، وأن تعمل لتشارك في مصاريف المعيشة مناصفة حتى ولو كانت تفضل البقاء في المنزل للتربية والعناية بأطفالها. يقنعها بالزواج بدون مهر لأنها ليست سلعة تباع وتشترى، يقنع النسوي المرأة بدعمه لها ولحريتها لتصبح كالدمية في يده يحركها كما يشاء، ناهيك عن استخدام شعاراته الرنانة كوسيلة لجذب النساء، تكوين علاقات معهن والتحرش بهن.
سلب المرأة لحريتها بإجبارها على لبس ما لا تريد لبسه هو بالضبط كإقناعها بخلع ما لا تريد خلعه، وقد اتضح لنا احتقار المرأة، وتهميشها، واستغلالها وسلبها لحريتها وإرادتها في تقرير مصيرها، عند الصحويين والنسويين على حد سواء، وبين أولئك وهؤلاء، لا طبنا ولا غدا الشر.