مَنّ هو المتقاعد؟
السؤال: فنياً، مَنّ هو المتقاعد، أي ما التعريف أو العبارة الدالة التي تميز بين الشخص المتقاعد وغير المتقاعد؟ هناك من تطبع تطبعاً شديداً على أن المتقاعد هو من تقاعد من وظيفة حكومية أو عسكرية، لكن ماذا إن تقاعد الشخص سواء مبكراً أو بعد المدة النظامية وعدد الأشهر المطلوبة ثم تقاعد أو أحيل إلى التقاعد لكنه بعد ذلك كان نشطاً اقتصادياً، بمعنى أنه أسس شركة أو انضم للعمل لدى صاحب عمل آخر. هذا الشخص لا يعتبر متقاعداً بالمعنى الاقتصادي للكلمة، والسبب أنه يساهم في انتاج سلع وخدمات ويستلم مقابل ذلك أجراً، أما المتقاعد حقيقة فهو من يتلقى معاشاً تقاعدياً وانسحب بالفعل من سوق العمل. لعله يمارس رياضة المشي أو تسلق الجبال أو الغوص أو السفر أو قضاء وقت مع الأهل والأحفاد والأصحاب وبعد أن يمارس هذه الأنشطة يخلد للراحة والدعة ولا يمارس ما يدر عليه دخلاً.
ولماذا كل هذا الإصرار على إيضاح قضية يعتبرها البعض واضحة؟ لأنه يبدو أنها غير واضحة، فشريحة من الموظفين الحكوميين، يعتقدون أن التقاعد يعني التقاعد من الوظيفة الحكومية أو العسكرية حصراً، أما ما عدا ذلك فهو ليس تقاعداً. ما الدافع لهذا القول؟ أنه كلما أثير قضية التقاعد ودور من هم فوق الستين في سوق العمل، انبرت هذه الشريحة للمعارضة، من منطلق الحفاظ على تحرير الأرقام الوظيفية، بأن يتقاعد من بلغ السن القانونية ليحل من خلال الرقم الوظيفي المحرر شخص آخر إما جديد أو موظف يستحق ترقية. هذا أمر مفهوم، لكن قضية الاستفادة ممن بلغوا عمر التقاعد ممن لديهم القدرة والرغبة، ليس محصوراً في الموظفين الحكوميين والوظائف الحكومية، فهذه الوظائف تمثل حالياً نسبة قليلة من عدد المشتغلين مقابل أجر في الاقتصاد السعودي. وتحديداً: عدد الموظفين الحكوميين السعوديين حوالي 440 ألف في نهاية 2023 مقابل 2,3 مليون موظف سعودي في القطاع الخاص، أي مقابل كل موظف سعودي على وظيفة حكومية يوجد ما يزيد عن خمسة موظفين سعوديين في القطاع الخاص، ومن موظفي الحكومة من بلغوا الستين أو أكثر يبلغ عددهم نحو عشرة آلاف وفي القطاع يزيد عن 385 ألفاً، وهذا يشمل السعوديين وغير السعوديين.
مع حراكنا الاقتصادي الحالي والسعي للرفع من كفاءة الانفاق، والنهوض لتحدي الرقي بالإنتاجية، تنطلق قضية الاستفادة من الموارد البشرية الخبيرة، فكيف نستفيد من مواردنا البشرية؟ ما يقال على سبيل النكتة من أن كلمة“متقاعد”تعني“متّْ..قاعداً”يبدو أنه ليس بعيداً عن الحقيقة؛ فهناك مَنّ يحارب الاستفادة من خبرة وقدرةالمتقاعدين من المواطنين، ولا أبالغ. أنظر حولك فيمن تعرف منالمتقاعدين المهنين المحترفين من أصحاب الخبرة والمعرفة من مهندسين وأطباء وأكاديميين، ممن قضوا عقوداً من أعمارهم يراكمون الخبرةوالمعرفة والمهارة. ثم أجب عن السؤال البسيط: كم منهم جالس في بيته؟ وكم منهم يستفاد منه «أو منها» في مجاله؟
نعم، المحظوظ من كان يملك طاقة ورغبة ومال حتى“يطق طق”من هنا وهناك في أعمال العقار من بناء مستودعات وتأجيرها أو شراءقطع أراضي وبناء دبلوكسات عليها ثم بيعها. وليس لي أي اعتراضعلى هذه الأنشطة فهي بالتأكيد مفيدة للشخص وللمجتمع، لكنيأتحدث عن مهندس أو مُعلم أو متخصص في الموارد البشرية أو فيالجودة أو القانون، رآكم خبرة في مجاله قد تتجاوز الثلاثين عام ثمتقاعد، فهل يستفيد المجتمع من خبرته المتراكمة؟
بالتأكيد سيطرح السؤال الاستنكاري: هو تقاعد حتى لا يعمل، فقد عمل بما فيه الكفاية! قد يكون ذلك صحيحاً، وقد لا يكون؛ بمعنىأن الشخص يتقاعد لاعتبارات فهناك من يتقاعد ليُسافر لجزرالبهاماس وينسانا، وهناك من يتقاعد ليقضي أوقاتاً مع عائلتهوأصدقائه فهو لا يريد أن يعمل، وبالمقابل هناك من لا يمانع في العملإما تطوعياً أو لوقت جزئي أو في مهمة استشارية أو عضوية مجلسإدارة أو لجنة. ثم أن وضعنا نحن - في المملكة - وتحديداً فيما يتعلقبالموارد البشرية الخبيرة ليس اعتيادياً إذ نعاني من نقصٍ فادح؛ ومع ذلك، فنحن نُطبق فيما يخص التقاعد مفاهيم أندونسيا والهندوبنجلادش ومصر وتركيا، وهي بلدان كثيرة السكان، أو مفاهيم ألمانياوالنمسا وسويسرا فهي تعج بالخبرات والثراء وثقافة التخطيط للتقاعد. أما نحن فبلد يفتقر للموارد المؤهلة، ولذا لا يصح