آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 3:01 م

فضح الكذابين

المهندس أمير الصالح *

رغم تصاعد عدد ضحايا الكذب حول العالم منذ بزوغ البشرية حتى هذا اليوم، إلا أنه لا توجد إحصائية من أي جهة في العالم عن عدد ضحايا الكذب خلال اليوم الواحد. ولكون الكذب آفة ومرض عظيم فإنه يأتي على عدة وجوه ومنها: الغش، التدليس، التزوير، شهادة الزور، التضليل، الحلف على الباطل، الادعاء، تأويل الكلام، تحوير الكلام وتحريفه عن مواضعه، التصنع، الخداع، التلبيس، الترويج الغير مطابق للواقع … الخ. والآليات التي تُستخدم لكشف الكذابين بين الناس، آليات قديمة وبطيئة وبالية. ولكون ذكر خصلة سيئة لإنسان غير موجود في ذات المكان مثل الكذب يُكره ذكرها أو سماعها لأنها تعتبر غيبة محرمة شرعا. كذلك ذكر تعليق يستنقص من خدمة محل ما لواقعة حصلت بالواقع الموثق في حق مستهلك قد تكون محضورة قانونيا. وعليه أضحى الكثير من أبناء المجتمع يعتمد طريقة الاستفسار المباشر عن الأشخاص الذين يودون أن يتعاملوا معهم تجاريا أو مصاهرة أحدهم أو الانخراط معهم في شراكة مالية أو استثمار، هو السبيل الأوحد والمتاح. وهذا الأمر مع وجوده وكثافة استخدامه، إلا أنه غير متوفر للجميع؛ لأن قوة شبكة العلاقات تختلف باختلاف الأشخاص ونوع الارتباطات وقوة الشبكة وتوافر المعلومات.

في بعض الدول الأجنبية تم إطلاق مواقع تحت مسمى Rate my doctor أو Rate our service أو Rate your professor أو Rate your tenant أو Rate my investor بهدف استحصال التغذية العكسية Feedback للزبائن وحماية حقوق المستهلك وضمان استمرار العمل بالعيادة أو المؤسسة أو الشركة مع إحراز أعلى مستوى لرضا الزبون أو المساهم أو الشريك أو المستثمر. في بعض مناطق العالم الصورة مقلوبة، فترى المستأجر يقول وبكل صلافة للمؤجر: رح اشتك!! والأدهى والأمر إذا ساهمت وأودعت مع أحدهم حصيلة ادخارك طوال عمرك بهدف تنمية مالك، فكم وكم من الجهد تحتاج لاسترداده!!. كل ذلك حصل ويحصل لعدم وجود مراكز ومواقع إلكترونية محمية قانونيا تسمح بتبادل معلومات عن الأشخاص كسلعة مقابل حفنة مال عن صدق التاجر وسجل المستأجر وأمانة المستثمر وطهارة يد المضارب وتاريخ مدير صندوق استثماري وعدالة شاهد ونزاهة مدير.

لعل من أوجع أنواع الكذب هو ذاك الكذب الذي يجيد صاحبه المراوغة والتضليل والمراوغة والتدليس بحيث إن الكذبة لا تنكشف، وإن انكشفت فإنها تنكشف بعد زمن طويل، أو بعد انقضاء آجال أجيال. ويأتيك شخص مستفيد من عمل الكذاب، أو من حاشية الكذاب ليبرر المسخرة أو المهزلة أو المسرحية بقوله لك: ليس هناك شخص معصوم Nobody is impeccable. حيلة هرم بونزي الشهيرة هي الأكثر انتشارا عالميا في عالم المال والاستثمار. وقد وظفها عدد ليس بالبسيط من داخل كل مجتمع. تحت كلمات براقة وشعارات رنانة وتسويق احترافي ينجذب عدد غفير جدا من الشباب والفتيات نحو تلكم الشعارات، وتتكشف لهم الحقائق بعد فوات الأوان أو انقضاء الآجال أو تصرم الأعمار أو ذبول زهرة شبابهم. ومن أشهر تلك اللافتات هو ادعاء بعض من الناس ب: الحرية - الفضاء المفتوح للكلمة - ضمان حقوق من لا منبر له -... إلخ.

وكذلك هناك كذبات تحتاج لنوع من التمحيص قبل الانزلاق فيها ومنها:

- الغش التجاري
- الغش الأخلاقي
- الغش الثقافي
- الغش الأدبي
- الغش العلمي
- الغش الاقتصادي

كل ذلك نتج بسبب الإفلاس الروحي للشخص وانعدام التقوى في قلبه وقساوته أو عدم وجود رادع أخلاقي وقانوني واجتماعي.

أسألك: كم اكتتاب أسهم جديدة تم خداعك فيها تحت شعار Fortune favor the bold؟

كم مساهمة عقارية تعلقت فيها لمدد طويلة؟

كم معاملة تجارية تم المماطلة لك فيها؟

كم شراكة تجارية أقدمت عليها، وتم الاستيلاء عليها … كم بضاعة طلبتها وتم شحنها لتكتشف عدم مطابقتها لمواصفات طلبك... كم أحسنت الظن في أصدقاء عمل / زملاء مدرسة واكتشفت لاحقا أن بعضهم كان يدبر المكائد ضدك من خلف ظهرك؟!!! كم … كم …كم … إلخ.

عند شيوع الكذب بين الناس فكن ممن يسيء الظن بالآخرين لإحراز الحماية لنفسك، ومن تحب وممتلكاتك واتقاء الأشرار، وعند شيوع الصدق بين الناس فكن ممن يحسن الظن بالآخرين حتى يُثبت لك العكس. وحاليا وبدون أدنى شك Without a shadow of a doubt يجب أن تحرص على إحراز أقصى أنواع الشفافية فيما يسوق له الآخرون لك من معلومات قبل الشراء أو البيع أو الدخول في شراكة أو المساهمة أو المصاهرة أو الحجز لفندق أو اقتناء سيارة أو السفر لجهة معينة.

عزيزي القارئ الموقر، كن أكثر وعيا وفهما لأساليب الكذابين لكي لا تكون ضحية تضليل أو تغرير أو تجهيل أو تهميش أو تجيير أو مراوغة أو خداع، لا سيما في زمن توافرت فيه أدوات الخداع البصري والصوتي وفلاتر الصور والذكاء الصناعي AI. وكن أكثر موضوعيا في اتخاذ قراراتك وصقل مهاراتك، ولا تنجرف عاطفيا في أي صفقة لا تستطيع أن تتحمل تبعاتها. وتذكر ما قاله القدماء”If you can not fire, do not hire“.