آخر تحديث: 8 / 5 / 2024م - 12:39 م

ضغوطات الأهل: قاتلٌ للتعلم

هاشم آل حسن

يمثل السعي الدؤوب للتفوق الدراسي، بدفع من توقعات الأهل المرتفعة تجاه أبنائهم، ظاهرة منتشرة على نطاق واسع في مجتمعنا ولها تداعيات سلبية كبيرة. ومع تزايد ربط المجتمع والوالدين النجاح بالدرجات العالية، يصبح فهم الأسباب الكامنة، والآثار السلبية المحتملة، وأفضل الممارسات للتخفيف من هذه الآثار أمراً بالغ الأهمية. وقد تُؤدّي رغبة بعض الآباء في تحقيق التميز الأكاديمي بأبنائهم إلى ممارسات خاطئة، مثل الضغوط المفرطة على الأبناء، مما قد يخلق بيئةً تعليميةً سلبيةً تُعيق تحقيق الأهداف المرجوّة لأبنائهم خاصة وأنّ التميز الأكاديمي ليس غايةً نهائية، بل هو وسيلةٌ لبناء جيلٍ قادرٍ على الإبداع والابتكار والمشاركة الفاعلة في تحقيق ازدهار المجتمع والوطن.

أسباب ضغط الأهل من أجل التفوق الدراسي

يرغب بعض الآباء في أن يُحقّق أبناءهم ما لم يتمكنوا هم من تحقيقه، وأن يُصبحوا أطباءً أو مهندسين أو محامين، ممّا يُؤدّي إلى وضع ضغوطٍ كبيرةٍ على الأبناء لتحقيق هذه التوقعات حيث ينبع الدافع للكمال الأكاديمي بين الأبناء في كثير من الأحيان من ضغوط اجتماعية وثقافية مختلفة. ولهذا يدفع العديد من الأهل، تحت تأثير المعايير المجتمعية، أبناءهم إلى التفوق الدراسي من أجل تأمين مستقبل مستقر لهم، وتحسين مكانة الأسرة الاجتماعية. ويتفاقم هذا الخوف بسبب عدم اليقين الاقتصادي وما سيحدث في المستقبل من تحديات، حيث يُنظر إلى التعليم الجيد على أنه ضمانة للاستقرار المالي والرفاهية المستقبلية للأبناء ظنًّا منهم أنّ ذلك هو السبيل الوحيد لضمان مستقبلٍ آمنٍ ومستقرٍّ لأبنائهم. بالإضافة إلى ذلك، تعمل المقارنات بين الأقران على تكثيف هذه الضغوط، مما يخلق بيئة تنافسية تركز على الدرجات أكثر من التعلم الفعلي.

التأثيرات السلبية على الأطفال أثناء الدراسة

عواقب هذا الضغط المستمر عميقة حيث يعاني الأبناء في كثير من الأحيان من مشكلات صحية ونفسية شديدة، بما في ذلك التوتر والقلق والاكتئاب إلى درجة يصل إليها الأبناء إلى كره التعلم والذهاب إلى المدرسة واللجوء إلى أساليب غير نظامية لتحصيل الدرجات. وهذا كله يطغى على متعة التعلم والحاجة إلى تلبية التوقعات العائلية والمجتمعية، مما يؤدي إلى قلة الحافز الداخلي للتعلم والنمو العلمي. علاوة على ذلك، قد يطور الأبناء ميولاً نحو الكمال، ويخافون الفشل أكثر من تقدير التعلم، مما يحد من تنميتهم الشخصية واستكشافهم لمختلف الاهتمامات. وفي الواقع قد تُؤدّي ضغوطات الأهل إلى تركيز الطلاب على الحصول على درجاتٍ عاليةٍ ليكون هم الهم الأول والأخير بدلًا من التركيز على فهم المواد الدراسية واكتساب المعرفة وتنمية القدرات والمهارات.

التأثيرات السلبية على الأبناء في مرحلة الانتقال إلى الجامعة

ومع انتقال هؤلاء الأبناء إلى الجامعة، يمكن أن تؤدي الآثار المتراكمة للضغط طويل الأمد إلى الإرهاق الأكاديمي، مما يعيق أداءهم بشكل كبير. يُواجه أبناؤنا في الجامعة بيئة جديدة مليئة بالتحديات، تتطلب منهم قدرًا كبيرًا من الاستقلالية والاعتماد على الذات. كما يعاني بعض الأبناء من صعوبات في التكيف مع هذه البيئة الجديدة، ممّا قد يُؤدّي إلى مشاعر الوحدة والعزلة والقلق. ولهذا يُلقي الإرهاق الأكاديمي بظلاله القاتمة على حياة الأبناء، مُمتدًّا ليشمل جوانبَ مُتعددةً، منها: ضعف المهارات الاجتماعية، وتدهور الصحة الجسدية والنفسية، وانخفاض الثقة بالنفس، والشعور بالإحباط والاستسلام.

أفضل الممارسات للدعم الأبوي

ولهذا يمكن للآباء والأمهات أن يلعبوا دورًا تحوليًا من خلال تعزيز بيئة داعمة تقدر التواصل المفتوح وتفهم اهتمامات وقدرات وأهداف أبنائهم. كل ذلك يمكن أن يساعد في التأكيد على الجهد والمرونة في تطوير عقلية النمو لأبنائهم، وهي ضرورية للنجاح على المدى الطويل. كما يعتبر التشجيع في استكشاف اهتمامات أبنائهم خارج المجال الأكاديمي واللجوء إلى المساعدة المهنية عند الحاجة من أهم الخطوات الحيوية في دعم التنمية الشاملة لهم.

دور المجتمع والحكومة في التعليم

من جانب آخر، يلعب المجتمع والحكومة دورًا محوريًا في تشكيل تجارب تعليمية تعطي الأولوية للتنمية العقلية والنفسية والعملية الشاملة على النجاح الأكاديمي المجرد حيث يجب أن تهدف السياسات التعليمية إلى تقليل الضغط الأكاديمي غير المبرر، والتعامل مع التحديات الرئيسية التي يواجهونها عن طريق التركيز على الجودة والكفاءة والتحفيز لقياس المخرجات التي يطمح لها الأبناء والمجتمع والوطن.

وأخيرا، يعد تحقيق التوازن بين التفوق الأكاديمي والصحة العقلية والعاطفية وجودة التعليم ومخرجاته أمرا ضروريًا لرعاية أبنائنا. إن من الضروري أن يتعاون الآباء والمعلمون وصناع السياسات في خلق بيئات تعليمية تعزز النمو الفكري والنفسي، والشخصي ليسهم في بناء جيل قادر على تحمل المسؤولية الوطنية.

ولكن لا ينبغي أن ننسى دور المجتمع بأسره في هذا الجهد، فكل فرد في المجتمع مسؤول عن تعزيز القيم الإيجابية ونشر الوعي بأهمية الصحة النفسية والعقلية لأبنائنا، ودعم الجهود الرامية إلى الارتقاء بالتعليم ومخرجاته. ولهذا يقع على عاتق الآباء والمجتمع والحكومة مسؤولية مشتركة في توفير بيئة تعليمية داعمة تُمكّن الطلاب من تحقيق إمكاناتهم الكاملة، ليكونوا قادة المستقبل وركيزة لبناء الوطن.