آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

الإسراف في الفواتح: عبءٌ على الأحياء وتهميشٌ للواجب

زكي الصاخن

الموت حق لا مفر منه، وفاجعة تهز أركان كل من يواجهها. لكن ما يثقل كاهل المصابين أكثر من مصابهم، هي تلك المبالغ الطائلة التي تصرف في الفواتح، محولة إياهم من متعاطفين إلى متألمين، ومن مواسين إلى مثقلين بدين لا قبل لهم به.

فهل هي من واجبات ديننا المفروضة علينا؟ أم هي عادات متوارثة أصبحت عرفا في مجتمعنا، نضيف عليها من ”التطورات“ ما يثقل كاهلنا ويضيق علينا؟

أين واجب التعاطف والمواساة من كل هذا البذخ والإسراف؟ هل من واجب كل فاقد أن يحضر ”ملاية أو خطيبا“ بمبلغ باهظ يثقل كاهله ويؤرقه؟ وهل يوجد في مجتمعنا من يرتقي المنابر ويلقي الخطب دون مقابل أو بمقابل رمزي يراعي ظروف الناس؟

وماذا عن واجب تقديم الطعام والشراب للمعزين؟ ألا يكفي أصحاب المصاب مصابهم دون أن نثقلهم بعبء إضافي؟

أين تذهب قيم التكافل والتضامن في زمن كهذا؟ أم أن بعضنا يتباهى بإحضار الملاية الفلانية أو الخطيب الفلاني، وإعداد ما لذ وطاب من الأطعمة، ثم يلوم الآخرين ويقول: ”العزاء كلفه عشرات الآلاف“!

فلنتفكر مليا: من المتسبب في كل هذا؟ أصحاب المصيبة أم من يحضرها ليعينهم على مصيبتهم؟، ألم يحن الوقت لوقفة واعية للحد من اتساع رقعة الإسراف والعمل على تقليل تكلفة العزاء؟، أليس من المفترض أن نكتفي بالواجب فقط في الفواتح؟ ألا يسعنا ذلك؟، أليست مجالس الحسين توعوية ولها الدور الأكبر في توعية المجتمع؟.

أسئلة كثيرة لا بد من التفكر فيها والعمل على حلها حتى لا يشملنا قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا [الإسراء: آية 27].

لنحفز التغيير من خلال خطوات عملية:

- لنبادر نحن بأنفسنا بالتقليل من الإنفاق في الفواتح، ونقنع من حولنا بضرورة التغيير.

- لنشجع على إقامة مجالس العزاء في البيوت بدلا من القاعات المكلفة.

- لنحدد سقفا للإنفاق على العزاء، ونقنع أصحاب المصيبة بضرورة الالتزام به.

- لنشجع على تقديم الطعام والشراب البسيط للمعزين، ونحذر من الإسراف والتكلف.

- لنقدم واجبنا من خلال التعاطف والمواساة والدعاء للمتوفى، بدلا من إهدار الأموال في أمور لا تفيد.

إن تغيير هذه العادات المتوارثة يتطلب جهودا متضافرة من أفراد المجتمع كافة. فلنبادر نحن بأنفسنا بالتقليل من الإنفاق في الفواتح، ونقنع من حولنا بضرورة التغيير. ولنحفز التغيير من خلال خطوات عملية ونشارك في نشر التوعية حول مخاطر الإسراف والبذخ.

فالموت حق لا مفر منه، لكن واجبنا هو أن نواسي ونعين الأحياء على مصابهم، لا أن نثقلهم بأعباء إضافية تؤرقهم وتؤثر على حياتهم.

فلنشارك جميعا في إعادة العزاء إلى ما كان عليه: واجب ديني يؤدى دون إسراف أو تبذير، بل بتعاطف ومواساة تخفف من وطأة المصاب على أهله. ونحافظ على قيمنا وتقاليدنا الأصيلة، ولنجنب أنفسنا وذوينا وزر الإسراف والبذخ.

فلنجعل من فاجعة الموت فرصة للتذكير بقيمة الحياة وضرورة التكافل والتضامن بين أفراد المجتمع.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
علي ابو حسين
[ القطيف ]: 25 / 4 / 2024م - 9:57 م
مقال رائع للغاية وجزاك الله ألف خير
2
أبو حسين
1 / 5 / 2024م - 10:23 ص
أحسنت أخي الكريم،
مما لا شك فيه أن إقامة العزاء أمر مطلوب لما فيه من تثبيت أواصر المحبة بين أفراد المجتمع رجالاً ونساء ولكن بهذه التكاليف الباهضة لبعض الأسر أمر مرفوض، لذلك يمكننا إلغاء جميع المرسيم المكلفة والإبقاء على إستقبال المعزين وقراءة ما تيسر من كتاب الله وإهداءها لروح الميت وكفى.