آخر تحديث: 5 / 12 / 2024م - 12:40 ص

يقين الضوء

محمد العلي * مجلة اليمامة

هذا العنوان مقتبس من قصيدة للشاعرة حوراء الهميلي، تقول فيها: «لم يعرني الضوء يقينه:

«كي ألثم الشفق المسكوب / من شفة الرؤيا / وأرشف من كأس السما وهجا» هنا نقف، بنشوة، أمام هذه الرؤيا التي ينسكب منها شفق لا يشبه شفق الشمس الذي هام به غيرها من الشعراء، بل هو شفق شعري ينبثق من الداخل، كأنه لمحة «وارد» بمعناه الصوفي، ويصور كأسا سماويا يتدلى مترعا بوهج أزلي.

حين زارتني أربع شاعرات، بقيادة الروائية الشاعرة رجاء البوعلي، دار الحديث، وكأنه أغصان من أشجار مختلفة الألوان، وكان من ضمنها مفهوم الحداثة. وحين قلت: لم نصل للحداثة بعد، التفتت رجاء بهدوء عاصف قائلة: مجلسنا هذا ماذا تسميه؟ وكان سؤالا استنكاريا، يرشح أملا وتفاؤلا بالآتي. ولم أجد غير الابتسام ملجأ للبعد عن الإجابة.

قصيدة «سؤال الحياة» لرجاء تقودنا إلى أفق فلسفي، لأن سؤال الحياة هو سؤال الوجود بكل أبعاده ‘عموديا وأفقيا. وهو السؤال الذي تعب الفلاسفة، وهم يحاولون الوصول إلى الإجابة عليه، بدون جدوى. وقد ذكرتني قصيدتها بمفهوم «الليسيّة» في الفلسفة القديمة ومعناه النفي ب «ليس»؛ فنحن لا نفهم دلالة الشيء إلا باستحضار نقيضه فهي تبدأ بليس في أبيات القصيدة، نافية عنها صفات الادعاء، ثم تقول: «لست إلا وجه إنسان تؤنثه العروبة / جسدا رمزيا للمعنى المغيب» ترى ما هو هذا المعنى المغيب بالنسبة للمرأة؟ إن لم يكن هو معنى الحرية النفسية التي يقمعها المجتمع.

حين تقرأ ديوان الشاعرة زهراء الشوكان، فأول ما يفاجئك هو العنوان «ألوّن صوت المجاز» فالمجاز هو إزاحة اللغة. الخروج بها من وضعها التداولي إلى أفق لغوي أرحب، تسكن فيه الاحتمالات، وغواية التنقل في أفيائها، فكيف إذا كان لها صوت وكان هذا الصوت حافلا بالألوان، بحيث يذكرنا بقول القدماء: «أبلغ الوصف ما قلب السمع بصرا» وحين يقول العباس بن الأحنف: «كأنها حين تمشي في وصائفها / تمشي على البيض أو فوق القوارير» تقول الشوكان: «أمشي بأقدام الزجاج تثلمت / روحي وغابت وجهتي وجهاتي» وهنا نرى الاختلاف الجمالي الإبداعي واسعا بين قدمين من زجاج، وقدمين تمشيان على زجاج. وحين نرى أن في تعبير الشوكان هشاشة ذاتية، ترد علينا بقولها: «حب الجمال أنمّي في النفوس به / يخلق الفكر حرا تلك معجزتي»

الشاعرة الرابعة التي قرأت علي قصيدة من قصائدها، هي الشاعرة تهاني الربيح، وهي تحمل نبضا شعريا جميلا.

كاتب وأديب