آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 3:01 م

من دون سابق إنذار

المهندس أمير الصالح *

”إن الآلية العقلية لإنتاج الشك أسهل بكثير من آليات إنتاج اليقين. والشك يغلب على قليل العلم، بينما اليقين يحتاج صاحبه إلى إِفعال العقل“. زيادة انغماس البعض من الناس، لا سيما الشباب والفتيات في العالم الافتراضي أدى إلى بروز قناعات جديدة وتبني أفكار غريبة وبروز سلوكيات مستحدثة وإحداث تصرفات غير متوقعة منهم / منهن، ومن دون أي سابق إنذار (Out of nowhere). فعلى سبيل المثال، فجأة ترى شخصاً ما جالسا بمفرده في مكان عام أو داخل مجمع تجاري، وقد انفجر ضاحكا، أو انفجر غاضبا دون سابق إنذار. قد ينتابك بسبب تلك التصرفات الشعور بالخطر والريبة نحو ذلك الشخص، فتبتعد عنه أو تغادر المكان. ويزداد لديك الشعور بأنك ترى بعضاً من الناس في أماكن عامة شبه سكارى وما هم بسكارى، ولكن الحواسيب والتطبيقات لعبت في إعداداتهم. الأكثر إيلاما هو وقوع أحداث من غير سابق إنذار داخل البيت الواحد والأسرة الواحدة حيث لا محيص من مواجهتها واستيعاب تبعاتها ومعالجتها بشتى الطرق الفعالة والذكية.

قد يكون البعض من أبناء هذا الكوكب في حالة صدمة متتالية؛ بسبب تسارع وتيرة تغير الأحداث وتزايد سرعة التغيرات وتذبذب الاقتصاديات ووقوع أحداث مترادفة في محيطهم الاجتماعي والجغرافي. وكأي مجتمع يقع بعض من أفراده في بعض تلك الصدمات المترادفة كضحية أو أخ ضحية أو أب ضحية أو زميل ضحية أو جار ضحية. ومن تلكم الصدمات التي وقعت سابقا في بعض الدول العربية المجاورة هو انفراط سبحة عقد بعض أبناء الأسر المحترمة والتحاق بعض أفرادها بقطار الإلحاد والشذوذ والانفلات السلوكي والسقوط الأخلاقي. وسمعنا كما سمع معظم أبناء المجتمع بانقلاب البعض عن عقائد مجتمعاتهم أو تنمر البعض على حواضنهم أو انخراط بعض أفراده في عمليات احتيال ونصب واختلاس أو خيانة الأمانة أو نزع البعض لثياب الحياء والعفة ورمي الحجاب والتملص من الاستحقاقات. وهذا الوباء في السلوك أصيب به بعض أفراد أبناء مجتمعات متعددة من مختلف الطبقات والمستويات في جغرافيا متعددة. وهنا يحاول الإنسان الواعي والحريص للمساهمة في استقراء أسباب وآليات السقوط والدفع للمعالجة الراشدة وتخطي إغواء الشياطين والحفاظ على النسيج الاجتماعي والوطني النظيف.

نسمع ونقرأ أنه في بعض بقع العالم الصناعي أضحت العلاقات المحرمة بين الجنسين أسهل في تفعيلها من الزواج وتبعاته. وكذلك الإقدام على فعل السرقة أو الاتكالية في المعيشة أسهل من العمل وصعوباته ومنافساته. والتعاطف مع أهل الشذوذ أقوى مع التعاطف مع أهل العفة والحشمة. وكان لسان حال أولئك المغرر بهم: الانفلات أسهل من الالتزام والمجون أكثر شعبية من العفة والاستهتار أكثر قبولا من الاحترام!!. الطريق القويم غالباً صعب مُستصعب، وكل الطرق الملتوية وغير الأخلاقية تم تعبيدها والترويج لولوجها والدعوة إلى الانخراط فيها، لكن كل هذا لا يعني ولا يبرر أن يسلك الإنسان طريق الخطأ لأنه أسهل.

فالنجاح دنيوياً وأخروياً للصبور الذي يسلك الطريق الصحيح مهما كانت العقبات. استنزاف بعض الشباب والفتيات لساعات طوال أمام شاشات التلفاز والجوال، وفي العالم الافتراضي بمختلف تطبيقاته الحديثة؛ بسبب نزعة إشباع الفضول المعرفي العشوائي أدى ببعضهم إلى التجول الافتراضي في مواقع نصب الشيطان، فخاخه فيها بألوان مختلفة. حتى وصل بعضهم أن يتجول بالقرب من وحول ومواقع متسخة فكريا أو مشككة عقائديا أو ملوثة عاطفيا أو منحدرة أخلاقيا أو مغرية جنسيا أو مستفزة أدبيا. استهان البعض بسماع عبر المذياع والمسلسلات التلفزيونية الأجنبية لبعض الكلمات القبيحة مثل Shxxt وFxxk في بداية حياته المعرفية الاستكشافية أو الترفيهية العفوية. وطال تعلق ذلك البعض مع مرور الأيام بمتابعة الأفلام والروايات المتدنية أخلاقيا والأخبار المتسافلة أدبيا، وفي ذات الوقت أخذ البعض في الزهد في المعارف العلمية والأدب الراقي. ونحن نعلم بأن أهل الشر أجادوا استدراج الناس خطوة بخطوة والتأثير على الإنسان الساذج والبسيط عبر: تمرير الأفكار، واللعب بالعواطف، وتماهي السلوك، وإغراق المعلومات. فأضحى البعض ضحية إبادة ثقافية Culture genocide.

اطرح هنا حزمة استراتيجيات لاحتواء أبناء وفتيات المجتمع في بعض الدول حتى الضحايا ممن صدر منهم/ منهن أي زلل أو غفلة أو هفوة أو ظلم نفسه:

1 - بناء أو إعادة بناء الثقة والألفة والتواصل الفعال بهم.

2 - معاملتهم الند بالند وعدم التقليل من قيمتهم واحترام أي طرف للآخر عند أي نقاش أو تعامل.

3 - في حالة حدوث أي نزاع بين طرفين داخل البيت الواحد أو المجتمع الواحد يجب الحرص ألا تجعل أي طرف ثالث يستفيد من ذلك النزاع وكن أنت الأكبر عقلا والمتفضل والمتسامح لكسب ما هو أشمل ولم الشمل ورأب الصدع.

4 - تجنب اللعب على حافة الهاوية في حالة تنافر وجهات النظر في الحديث أو أساليب الحياة مع أحد أطراف العائلة أو أبناء المجتمع.

أتذكر، خلال أحد أيام شهر رمضان الفائت كنت أتسوق صباحا في أحد المجمعات التجارية، وسمعت صوت امرأة مرتفع جدا صادر من خلف أحد الصفوف البعيدة، وهي تقول ”رح اشتك“. هرعت وبعض عمال المُجمع نحو مصدر الصوت، فرأينا امرأة شابة تتكلم في الهاتف الجوال، وقد انفعلت إلى الدرجة التي نست أنها في مكان عام أو هكذا استشعرت. ولم تعر الفتاة أي اهتمام عند وصولنا وحيث تواجدنا، وواصلت الفتاة الكلام بصوت مرتفع، وهي تتحدث عبر الهاتف الجوال: هذه حياتي وأنا بالغة قانونيا ومستقلة ماليا وحرة فيما أفعل. أفعل وسأفعل ما يروق لي. أنتم جيل متخلف ومنغلق وأفكاركم قديمة. الأعراف والأديان والأخلاق مجرد قيود. نصائحك كلام مستهلك!! ". هنا تسألت هل هذه الفتاة تريد لفت انتباه لأغراض ومآرب غير سوية Attention seeking أو Attention hoe.

ونتجاوز القصة لاستقراء الثمرة. على الوالدين والإخوان وأبناء المجتمع:

1 - الاحتواء لكل أفراد المجتمع والصبر والتقرب لهم، ولو خطوة كل يوم لتوجيههم نحو الأفضل، فإن ذلك سيساهم لرفع الغشاوة عن عيونهم وتصويب القلوب للطريق القويم. فالشخصية الأصيلة المتجذرة داخل كل أبناء المجتمع قد تُختطف أو تُقمع، لكنها لا تموت ولا تُمحى.

2 - نتجنب النقد المتكرر، ونتجنب العتاب المتكرر، ونتجنب اللوم أو الجرعات الزائدة منه؛ لأنها منفرة للشباب والفتيات.

3 - تفادي فرض أي قناعة بالإكراه وتجنب سوء المعاملة والتحفيز على فتح باب النقاش المحترم والحوار الهادف وحسن الإصغاء لهم.

ختاما، كأولياء أمور أوفياء يجب أن يكون شعار المرحلة هو كلمات أغنية“We can not lose this fight“.