بين العميم والنفيسي
في نهاية ديسمبر «كانون الأول» 2022 دعاني الأستاذ مشاري الذايدي لبرنامج الندوة، وكانت زيارة الرياض فرصة ذهبية لأجدد الزيارة للأستاذ علي العميم في منزله، وأستزيد من النقاش معه حول الحركات الإسلامية. زرته قبل تسجيل الحلقة، وسألته عن كتابه حول عبد الله النفيسي الذي لم أجده في الأسواق، فوعدني أن يساعدني في الحصول على نسخة منه. وبالفعل تكرم الأستاذ العميم بإحضاره إليّ في الفندق شخصياً، ومسألة تواضع هذا الباحث الرصين تستحق إفراد مقال متكامل عنه.
هذا الأسبوع حل العميم ضيفاً على الذايدي في برنامجه «سجال» حيث سلط الضوء على أجزاء بسيطة من كتابه «عبد الله النفيسي الرجل، الفكرة، التقلبات: سيرة غير تبجيلية». ولعل أبرز النقاط التي ناقشها العميم تلخصت في التوصيف المناسب للنفيسي بكونه داعية سياسياً وليس محللاً سياسياً! هذا التوصيف مهم جداً كون المحلل يتسم بالموضوعية في الطرح، بينما النفيسي يتبنى توجهاً انحيازياً واضحاً في الموضوعات التي يناقشها، بل إنه طرح تثويري «أي يدعو للثورة».
إن انتحال صفة المحلل السياسي يعطي للرجل شرعية معرفية تستند في أساسها للدرجة الأكاديمية التي يحملها والوظيفة التي شغلها سنوات، غير أن الأهم في هذا الصدد أن انتحال الموضوعية اللامنتمية لجهة بعينها أسلوب تمرّس عليه أعضاء ومريدو الأحزاب الإسلامية، لا سيما أولئك المنتمون للفكر الإخواني، وعلى رأسهم النفيسي.
لعل أبرز النقاط التي ناقشها العميم، ويجب على المتابع أن يلتفت لها جيداً، هي:
أولاً: تقلبات مواقف الرجل بشكل لافت، فمن موقف ودي مع النظام الملكي الإيراني، إلى موقف أشد ودية مع النظام الثوري، إلى حالة عداء وتحريض ضد الإيرانيين ختمها بالمطالبة بالتحالف مع تركيا إردوغان لصد الأطماع الإيرانية.
ثانياً: المغالطات التاريخية الواضحة، مثل قصة مواجهته الدكتور صادق جلال العظم في الجامعة الأميركية اللبنانية، والتي تبين أن الاحتجاج عليه حدث بعد سنتين من رحيل الرجل من لبنان إلى بريطانيا لإكمال دراسته. وهنا يشير العميم إلى أن «النفيسي مغفور له عند جمهوره» الذي لا يعبأ بكشف مغالطاته.
ثالثاً: الدعوة للتطرف، ففي كتابه «عندما يحكم الإسلام» فصلٌ بعنوان «الإسلام والعنف» أصَّل فيه الرجل للعنف المشروع في خدمة الإسلام بأسلوب يتقاطع فيه مع سيد قطب.
لسنا هنا بوارد المشاركة في نقد النفيسي بقدر ما نطرح تساؤلات حول نجومية أكاديمي خليجي له متابعوه في مختلف أرجاء الوطن العربي، فالرجل صاحب كاريزما عند حضوره في المقابلات، وقد طوّع هذه الكاريزما مع تقدم السن عن طريق لقاءاته مع إعلاميين ذوي حضور قوي في الوطن العربي؛ من أمثال أحمد منصور، علي الظفيري، عبد الله المديفر، وعمّار تقي الذي تُعد سلسلة لقاءاته معه تتويجاً لحضور الدكتور النفيسي في الإعلام العربي، حيث قال الرجل كل ما يريد قوله بأريحية شديدة.
وبالنسبة للنقاط الثلاث أعلاه، فإن لي تعليقاً على كل منها:
أولاً: لقد وقف الرجل مع الشاه من باب تقاطع الرؤى ضد اليسار بشكل عام والشيوعيين بشكل خاص، تماماً كما حدث عندما سافر الرجل إلى ظفار ليكون بالقرب من إيقاف التمرد على يد القوات العمانية والإيرانية التي دعمتها؛ فهو ليس حباً في الشاه بقدر ما هو بغضٌ في الشيوعيين، وهذا ما يفسر استبشاره بالثورة الإيرانية، وهو يتفق مع الموقف العام لـ «الإخوان المسلمين» الذين ذهبوا لتهنئة الخميني، وعدُّوها فاتحة لإقامة الحكم الإسلامي في مختلف الأقطار، لكن يجب ألاّ ننسى أن الفكر الإخواني ليس بالانفتاح الذي يدعيه مريدوه، فحكام طهران يبقون شيعة، لذلك عندما وجدوا بديلاً سنياً «أي إردوغان» عَدُّوهُ هو النموذج الملهم.
ثانياً: عندما يتحدث الرجل، فإنه يسرد تفاصيل تجعل من الصعب أن نصدق أن ساردها مشتبه؛ فالاشتباه يكون في الفكرة العامة للقصة، ولكن عندما يسرد تفاصيل من قبيل: «وأثناء الاحتجاج في جامعة بيروت ذهبت للشيخ فلان في بيته بالشارع الفلاني، وقلت له كذا، وقال لي كذا» فالمسألة تتعدى الاشتباه إلى شيء آخر.
ثالثاً: يضاف لما طُرح في الكتاب المذكور أعلاه محاضرات عدة موجودة في «اليوتيوب» تدعو للخطف والاغتيال لأهداف سياسية، وليست تلك الدعوات الشفهية إلا تطبيقاً عملياً لما جرى التنظير له في الكتاب.
إن خير ما سيخرج به من تابع هذه الحلقة يتلخص في مراجعة الصورة التي يحملها عن الشخصيات ذات الحضور الطاغي في الإعلام، ليتساءل عن السبب وراء هذا الحضور المكثف، وهل هو نتيجة كفاءة حقيقية أم صفات شخصية أخرى؟
الكاريزما والقدرة على السرد المشوق تؤثران في عامة الناس، لكنهما ليستا المعتمدتين عند البحث عن المعلومة الحقيقية والتحليل الموضوعي.