«توثيق القطيف» بالأفلام مساهمة في التنمية
تُعد صناعة الأفلام الوثائقية من أسهل الأعمال السينمائية على المستوى الإنتاجي، فكل ما يتطلب ذلك أن تمضي في المكان الذي يدور فيه الحدث، وتدير آلة التصوير بحرفية ومهارة ورغبة جامحة، وتسجل بعينيك وعين آلتك ما تود الإبقاء عليه محفوظاً، بعد أن تُعمل فكرك في هدفك بكل ذكاء. وبعد أن تستشعر جمال الهدف. وقد ساهمت التكنولوجيا الجديدة في فتح عالم جديد متسع أمام صنّاع الأفلام الوثائقية.
و تعد هذه الصناعة داعمة للخبر الصحفي المكتوب والمسموع إن لم تكن الأفضل؛ فهي توصل رسالة معبرة جداً عن واقع الخبر، ومما هو معروف أن الصورة قد تمثل آلاف الكلمات، كما توثق أحداثاً يستفاد منها في القضايا الإنسانية من خلال المقابلات أو في المجالات التنموية التي تهدف لتحسين وتطوير المجتمع. ويمارس الشباب اليوم على مستوى واسع هواية التصوير التي درجت في عصرنا هذا، حتى أقيمت لها المسابقات من أجل احتواء هكذا إبداع، بهدف ايصال هذه الطاقات الإبداعية لأعلى المستويات.
و بالتالي فإن هذه الصناعة تعد مهمة في مجال الرصد والتوثيق لأي مجتمع، إذ أنها تبرز جوانب عدة تاريخية، وثقافية و... كما قد تساهم في حل قضايا محلية كثيرة.
من هنا نرى أن هذه الصناعة بإمكانها أن تقدم كثيراً من المنافع الحيوية وغيرها لمحافظة القطيف. كالإشارة للقضايا التي تستحق تجسيد صورتها، وتسليط العدسة عليها، والتي منها «حال القطيف بين الأمس واليوم»، في حوانب عدّة، منها إلقاء الضوء على زيادة التعداد السكاني، والتمدد العمراني، والذي كان أحد أسباب ردم جزء كبير من بحر القطيف. فرصد وتوثيق هذا الواقع الذي أعتبر ذا أثر سلبي على الثروة البحرية الغنية في بحر القطيف، سيوصل للمشاهد فكرة واضحة عما يحدث. ويبرز حالة التصحر الآيلة إليها الرقعة الزراعية التي انحسرت جراء النمو السكاني مما أدى إلى كثرة استهلاك المياه وزيادة نسبة الرقعة الحضرية على حساب الاراضي الزراعية، وبالتالي سبب فقراً واضحاً في المناظر الجمالية التي كانت مصدر إلهام لكثير من الأدباء والفنانين، من عيون كانت متدفقة وبساتين خصبة، تنتج محاصيل عالية الجودة. كما أن تصوير تراث القطيف والمعالم التاريخية الكائنة لليوم، والتحدث عنها سيسهم في تكوين مادة ثقافية معرفية محلياً وخارجياً، يتم عبرها التعريف بأصالة وعروبة القطيف من خلال التعريف بالأمم والحضارات التي شهدتها على مر العصور.
ولو وجهنا العدسة ناحية التعليم، فمحافظة القطيف تعتبر الأكثر استحقاقاً بمدينة جامعية، نظراً لأن نسبة السكان السعوديين فيها تفوق العديد من مناطق إدارية بأكملها، مما يعني وجود نسبة طلاب عالية، تفوق عديداً من المدن، مثل الدمام والخبر والجبيل وحفر الباطن كمقارنة «لوقوعها جميعاً في منطقة واحدة، هي المنطقة الشرقية»، وحتى لو قارناها مع القطيف من حيث الحجم السكاني، سيكون لها الحظ الأوفر.
فتصوير حالة الغربة - على سبيل المثال - التي يعيشها طلاب القطيف يومياً من قطع مئات الكيلومترات للوصول لجامعاتهم، أفقدنا كثير منهم في حوادث مفجعة، تناثرت أشلاؤهم في الطرقات، فضلاً عن عدم قبول بعضهم في الجامعات الخارجية، بحجة اكتفاء المقاعد الجامعية كفيلة بأن تصف مشقة الطالب القطيفي وما يكافحه لنيل المراكز الأولى بتفوق مشهود له به. وكل ذلك يسهل أن ترصده عين الكاميرا إن عرف الراصد كيف يعمل نحوه. ولو تناولنا الجانب الصحي الذي بات شكوى كثيرين من الأهالي، نجد أن محافظة القطيف تُعد الأسوأ من ناحية الخدمات الصحية والطاقة السريرية، كما وأنها الأعلى في نسبة الإصابة بالسرطانات على مستوى المنطقة المملكة، طبقاً للإحصائيات.
وتوثيق ذلك يكفي لتأكيد حاجة المحافظة لنظام رعاية صحية متكامل من الدرجة الأولى.
إن العمل الوثائقي يصور للمشاهد حال الواقع بدون تمثيل لمجريات الأحداث فهو الأقوى إعلامياً؛ والأشد تأثيراً. فصناعة فيلم وثائقي ناجح يتمحور في تصوير مشهد أو مشاهد مهمة مختصرة ستكون بمثابة شاهد صوري يظهر لغة الفيلم الوثائقي بالمعنى البصري. ومن الأهمية بمكان أن تتوفر الفكرة التي تشرح مفهوم العمل، كما ويتطلب وجود تعاقب منظم للصور والأصوات، مما يثير اهتمام المشاهد ويقدم وجهة نظر الفيلم الوثائقي بوصفها مناقشة بصرية.
توثيق الواقع الفعلي للقطيف بكل صوره وجوانبه؛ سيساهم في إلقاء الضوء على كثير من المجالات بشكل ايجابي يرقى بها لرؤيا حضارية، يطمح الموثق لها ولنفسه مجداً تستحقه بكل جدارة. فهل بين أبناء وبنات القطيف من يعد نفسه لمثل ذاك العمل الذي يُعبر عن صدق إحساس بالواقع المعاش، وحب يتنامى لهذه الأرض الطيبة؟
نقول: كلكم أهل لذلك.