آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

كيف تزرع الثقة في الأطفال عمليًا

عدنان أحمد الحاجي *

26 فبراير 2024

المترجم: عدنان أحمد الحاجي

المقالة رقم 82 لسنة 2024

I Trust You to Do This

February 26,2024

الأطفال يمارسون الغش بشكل أقل عندما تُبين لهم أنك تثق بهم

البروفسور بول هاريس Paul Harris كان على مدى عشرات السنين يجرى دراسات في الثقة، وخاصة في كيف يتخذ الأطفال الصغار قرارات بشأن من يثقون به. ولكن الآن، في دراسة جديدة [1]  نُشرت في مجلة Nature Human Behaviour، قلب هاريس وزملاؤه مسار الحديث عن الثقة رأسًا على عقب. وقالوا: ”ماذا يحدث عندما لا ندعو الطفل ليثق بالآخر، بل ماذا يحدث لو بدأنا الثقة بالطفل؟“ وبشكل أكثر تحديدًا، أرادوا معرفة ما إذا كان الأطفال الصغار يحدون من ممارستهم الغش لو وثق بهم أولياء أمورهم ومعلموهم.

ما وجده هاريس، بالتعاون مع باحثين في جامعة هانغتشو نورمال في الصين وجامعة تورونتو في كندا، هو أنه نعم، ببساطة طلب المساعدة من الأطفال الصغار [الذين يتراوح سنهم ما بين 5 و6 سنوات] المساعدة حتى في مهمة بسيطة ومدحهم لكونهم مساعدين جديرين بالثقة، ثم تفهينهم [توصيل رسائل ضمنية أو صريحة إليهم] على أنهم سيكونون محل ثقتهم في المستقبل أدت إلى الحد من ممارسة هؤلاء الأطفال الغش مقارنة بالأطفال الذين لم يتلقوا نفس ”رسائل الثقة“ هذه من أولياء أمورهم أو معلميهم.

يقول الباحث المشارك لي تشاو Li Zhao، الأستاذ في جامعة هانغتشو الصينية: ”يبدو أنه حتى في سن مبكرة، يفهم الأطفال قيمة الثقة ويكونون على استعداد للتصرف بشكل أكثر أمانةً استجابة للشعور بأنهم محل ثقة الآخرين بهم“.

اكتشف الفريق ذلك بعد إجراء خمس تجارب على أكثر من 300 طفل في رياض الأطفال في الصين. في التجربة الأولى، قام المعلم باصطحاب كل طفل عبر الردهة إلى غرفة أخرى لإجراء اختبار قصير في الرياضيات. وفي الطريق طلب المعلم من الطالب المساعدة في حمل ظرف مهم يحتوي على إجابات هذا الاختبار. أُشيد بالطالب لمساعدته وتذكيره بأنه كان موضع ثقة المعلم بعدم الغش. وقال المعلم أيضًا إنهم سيواصلون الثقة بالطالب في المستقبل. التجارب الأربع اللاحقة كانت عبارة عن اختلافات بسيطة في اجراء هذا الاختبار، وذلك بحذف واحد أو أكثر من عناصر التجربة - على سبيل المثال، لم يمدح المعلم الطالب أو لم يقل له أنه يثق في عدم غشه. وفي التجربة الخامسة، كان الذي أدار الاختبار معلمًا آخر غير معلم الطالب.

في مرحلة ما، قبل أن ينتهي الطالب من الاختبار القصير، خرج المعلم من الغرفة لفترة وجيزة، تاركًا الإجابات على أسئلة الامتحان على الطاولة بالقرب من الطالب، ويمكنه رؤية هذه الإجابات بسهولة. كشفت كاميرا فيديو مخفية ما إذا كان الطالب قد ألقى نظرة خاطفة على الإجابات، خاصة بالنسبة للسؤال الأخير، والذي كان صعبًا بشكل خاص. عندما تلقى الطلاب الحد الأقصى من مستوى رسائل الثقة [التي كانت بشكل ضمني أو صريح]، كان معدل الغش 34%. وعلى الجانب الآخر، عندما قيل للطلاب إنهم موضع ثقة بعدم الغش ولكن لم يتم إخبارهم بأنهم موضع ثقة ليكونوا مساعدين لمعلمهم، مارس أكثر من نصفهم الغش. مارس ما يقرب من نصفهم الغش عندما طلب أحد المعلمين المساعدة، ومن قام بإجراء الاختبار على الطلاب كان معلمًا آخر.

”إذا عاملت طفلاً بأساليب يفهمها على أنها إيجابية، فربما تساعده على التصرف تصرفًا جيدًا حنى ينال رضا معلمه أو ولي أمره عنه.“

ويتكهن هاريس بأن النتائج التي توصلوا إليها - وهي أن الأطفال الصغار الذين طُلب منهم المساعدة بشكل مباشر وتلقوا رسائل الثقة الضمنية / الصريحة من الكبار كانوا أقل احتمالًا لأخذ نظرة خاطفة على الإجابات «للغش» بعد أن غادر المعلم الغرفة - هي جزئيًا نتائج تطورية [تغير تدريجي في السمات والخصائص عبر الأجيال [2] ].

ويقول: ”باعتبارنا كائنًا اجتماعيًا، فإن بناء الثقة المتبادلة كان من شأنه أن يمنح أسلافنا البعيدين زمانيًا فرصة البقاء على قيد الحياة. بإمكاننا أن نتكهن ونقول إن البشر عرفوا أنه من الجيد بالنسبة للمرء أن يبادل من يثق به بنفس مستوى الثقة التي يثق بآخر جدير بالثقة“.

يقول تشاو إنه بالنسبة لأولياء الأمور والمعلمين، فإن إدراك قوة الثقة، لا التهديد بالعقاب أو العقاب، في تعزيز النزاهة لدى الأطفال يعد أمرًا ذا قيمة. وقال: ”تُبين نتائجنا أن التعبير الواضح الصريح بالثقة لشخص ما يمكن أن يقلل من مستوى عدم أمانته، وهذا يسلط الضوء على حاجة أوليآء الأمور والمعلمين إلى إظهار الثقة والتعبير عنها عن قصد للأطفال من خلال الأسئلة اليومية. وبدلاً من افتراض أن الأطفال يكتسبون الثقة من خلال الأفعال / التصرفات وحدها، فإن نقلها / توصيلها لهم بشكل مباشر قد يكون أمرًا أساسيًا. نوصي المعلمين بتكليف الطلاب بمهام ومسؤوليات، مهما كانت صغيرة، مع إخبارهم صراحةً:“ أنا أثق بك للقيام بتلك المهمة. "

يقول هاريس هناك أيضًا درسًا عامًا أوسع يمكن تعلمه.

ويقول: ”إذا عاملت طفلاً بطرق يفهمها على أنها إيجابية، فربما تساعده على تقديم أفضل ما لديه. ليس فقط فيما يتعلق بالغش، ولكن ربما أيضًا في مجالات أخرى“. ويقول إن التفكير في نتائج هذه الدراسة ذكّره بتجربة عاشها في جامعة أكسفورد، حيث درس ودرّس قبل مجيئه إلى جامعة هارفارد.

“كنت قد درست في جامعة أكسفورد، وفيها عدة كليات. وكل كلية، إلى حد ما، مستقلة في قراراتها عن الأخرى.“لاحظت أنه من وقت لآخر، كانت هناك همهمة من الزملاء الذين كانوا بحق مزعجين ويصعب التعامل معهم، في بعض الأحيان، كان الرئيس يتبنى استراتيجية تكليف هذا النوع من الأشخاص ببعض المهمات والمسؤوليات [مما يشي بأن الرئيس حاول وضع ثقته فيهم]. في كثير من الأحيان فادت هذه الاستراتيجية. هذا الشخص، الذي وُثق به وأُعطي هذه المسؤولية، توقف عن أن يكون مصدر ازعاج وأصبح على قدر المسؤلية وجديرًا بالثقة.