آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 5:57 م

وَاجْبُرْ مُصِيبَتنَا

فؤاد الحمود *

وردت كلمة المصيبة في جملة من الآيات والروايات وكلمات المعصومين ، وهي تدل على ما ينزل من الحوادث الضخام والأحوال المكروهة؛ وهي البلايا والرزايا والآلام، كالقحط والغرق وما يتصل بها من المشاكل العامة أو الخاصة التي تقع في الأنفس والأموال وغيرها.

ورغم أن المصيبة في الآيات تشمل الخير والشر؛ وإن كانت الغلبة في استعمال العرف في الشرور فقط، وحتى هذه المصائب التي تأتي في عالم الدنيا ما هي إلا تكفيراً للذنوب والخطايا ”وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ“

ومن تلك الاستعمالات في الأدعية ما ورد عن الإمام زين العابدين في الدعاء المروي عنه بوداع شهر رمضان قوله ”وَاجْبُرْ مُصِيبَتنَا بِشَهْرِنَا وَبَارِكْ فِي يَوْمِ عِيْدِنَا وَفِطْرِنَا“

وحيث أن شهر رمضان شهر الله الأكبر وعيد أوليائه هو أكرم مصحوب من الأوقات بل هو خير الأيام والساعات، كما أن هذا الشهر هو شهر الأعمال التي تستوجب غفران الذنوب، فقد ورد أنه ”من لم يغفر له في شهر رمضان لم يغفر له إلى مثله من قابل إلا أن يشهد عرفة“، وأنى للعبد أن يقطع بامتداد عمره للعام القادم، أو أن يحضر عرفات مع هذه الصعوبة في أداء الحج.

ومن المعلوم أن الإنسان لا يتحسر إلا بعد فوات الأوان، ولكن لعظم وخطر شهر رمضان فإنه ”قَرِين جَلَّ قَدْرُهُ مَوْجُوداً“، وفي نفس الوقت يتحسر المؤمن ويتفجع على فقده ورحيله قبل أن ينتهي

أو ليس فيه إعانة على الشيطان كما أخبرنا رسول الله ﷺ بأن الشياطين قد غلت أيديهم؛ مما جعل من المؤمنين يقبلون على العبادة بشكل غير اعتيادي، كقراءة القرآن، وصلاة النوافل، وصلة الأرحام، والعطف على الفقراء، كل ذلك من بركات هذا الشهر الكريم،

ومن نعم الله علينا أتباع أهل البيت تلك الأدعية المروية عنهم سلام الله عليهم، والتي فتحت أبواب الخير في مجالات مختلفة، لذا وجب علينا أن نتأمل ونستثمر هذا التراث العظيم ونواظب عليه.

وأنقل لكم نموذجاً مفجعاً لذوي الأبصار والعقول من الدعاء المروي عن الإمام السجاد ، وهو الدعاء الخامس والأربعون من زبور آل محمد ”الصحيفة السجادية“، والتي حري بنا أن لا يخرج هذا الشهر إلا وقد قرأناه، وخصوصاً ونحن على أبواب وداع الشهر الكريم لنحظى بما حظي به أولياء الله.

... فَنَحْنُ قَائِلُونَ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا شَهْرَ اللهِ الاكْبَرَ، وَيَا عِيْدَ أَوْلِيَائِهِ.

السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أكْرَمَ مَصْحُوب مِنَ الاوْقَاتِ، وَيَا خَيْرَ شَهْر فِي الايَّامِ وَالسَّاعَاتِ.

السَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ شَهْر قَرُبَتْ فِيهِ الآمالُ وَنُشِرَتْ فِيهِ الاَعْمَالُ.

السَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ قَرِين جَلَّ قَدْرُهُ مَوْجُوداً، وَأَفْجَعَ فَقْدُهُ مَفْقُوداً، وَمَرْجُوٍّ آلَمَ فِرَاقُهُ.

السَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ أَلِيف آنَسَ مُقْبِلاً فَسَرَّ، وَأَوْحَشَ مُنْقَضِياً فَمَضَّ من التأَلم. السَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ مُجَاوِر رَقَّتْ فِيهِ الْقُلُوبُ، وَقَلَّتْ فِيهِ الذُّنُوبُ.

السَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ نَاصِر أَعَانَ عَلَى الشَّيْطَانِ وَصَاحِب سَهَّلَ سُبُلَ الاحْسَانِ.

أَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ مَا أكْثَرَ عُتَقَاءَ اللهِ فِيكَ وَمَا أَسْعَدَ مَنْ رَعَى حُرْمَتَكَ بكَ!.

أَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ مَا كَانَ أَمْحَاكَ لِلذُّنُوبِ، وَأَسْتَرَكَ لِاَنْوَاعِ الْعُيُوبِ!

أَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ مَا كَانَ أَطْوَلَكَ عَلَى الْمُجْرِمِينَ، وَأَهْيَبَكَ فِي صُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ!

أَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ شَهْر لا تُنَافِسُهُ الايَّامُ.

أَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ شَهْر هُوَ مِنْ كُلِّ أَمْر سَلاَمٌ.

أَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ غَيْرَ كَرِيهِ الْمُصَاحَبَةِ وَلاَ ذَمِيمِ الْمُلاَبَسَةِ.

أَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ كَمَا وَفَدْتَ عَلَيْنَا بِالْبَرَكَاتِ، وَغَسَلْتَ عَنَّا دَنَسَ الْخَطِيئاتِ.

أَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ غَيْرَ مُوَدَّع بَرَماً وَلاَ مَتْرُوك صِيَامُهُ سَأَماً.

أَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ مَطْلُوبِ قَبْلَ وَقْتِهِ وَمَحْزُون عَلَيْهِ قَبْلَ فَوْتِهِ.

أَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ كَمْ مِنْ سُوء صُرِفَ بِكَ عَنَّا وَكَمْ مِنْ خَيْر اُفِيضَ بِكَ عَلَيْنَا.

أَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ وَعَلَى لَيْلَةِ الْقَدْرِ الَّتِي هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْر.

أَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ ما كَانَ أَحْرَصَنَا بِالأمْسِ عَلَيْكَ وَأَشَدَّ شَوْقَنَا غَدَاً إلَيْكَ.

أَلسَلاَمُ عَلَيْكَ وَعَلَى فَضْلِكَ الَّذِي حُرِمْنَاهُ، وَعَلَى مَاض مِنْ بَرَكَاتِكَ سُلِبْنَاهُ.