هفوات اجتماعية «ق ق ج»
يُشمر عن ساعديه كل صباحٍ ومساء. يلتقط القمامة من بين المساكن المعمورة والمهجورة. يُهرول مسرعًا تجاه علبة مشروب غازي ليخبئها في جيبه قبل أن تطالها يد غيره!
وفي طرف السوق يخرج شاب مفتول العضلات، ويرمي قمامته على الأرض صارخًا هازئًا بأعلى صوته: ”صديق أنت ما في مخ؛ ليش أنت ما في نظف زين؟!“.
على تراب زوجته الراحلة للتو عن عمرٍ ناهز السبعين عامًا خطّت أنامله حروف الحسرة والحزن..
تأوه بحرقة وأجهش بالبكاء طوال أيام العزاء!
وفي اليوم الرابع نصحه جاره سالم بالزواج من العشرينية مها!
أثنى عليه في الأماسي وطلب إصداراته، وفي صبيحة اليوم التالي عرضها للاستبدال على بريده الإلكتروني!
امتدحه طوال العام، وحين طالب بالزيادة، اتهمه بالتأخر يوم أمس!
انكسر قلبه المسكين لفقيرة لم تستطع شراء «الآيس كريم» الوردي، وحين انتظرته عند الكاشير قال لها: ”الله يعطيك يا بنتي“!
كتب الصورة الشعرية فيه، وحين طلب منه القيمة نهره قائلًا: دور غيري ما في هالبلد إلا أنا!
دخل مجلس العيد شارد العقل، رجلاه تسابقان جسده، اللعاب يسيل من فمه، والعرق يتصبب من جبينه.
وفي طرف المجلس تجلس شخصية اجتماعية معروفة، فدنا منها هذا المسكين، فتظاهر الوجيه بأنه محتاج إلى قضاء الحاجة، «وانحاش» من المجلس!
دعاني بإلحاحٍ على وجبة العشاء، فخرج بسرعةٍ ودفعت أنا الحساب!
تتطاير الروائح الطيبة والزكية من طناجر «قدور» الأفراح، وفجأة يتوقف الماء عن الغليان مدة طويلة!
فيسأل والد العريس الطاهي: منذ متى توقف؟!
فأجابه: منذ أن مرّ علينا والدك!
فابتسم وقال: «أوريكم فيه ألحين»؛ سوف يأتى به إلى هنا محمولاً على الأكتاف!
وحين أتو به قال الولد لجد العريس: ”فك وأفك“!
يمتدح هذا ويذم ذاك في خفاءٍ دامسٍ..
وترتمي الأقدار على عجالة الأيام لتجمعه بهم على مائدة المصالح الخاصة، فيُسأل كلاهما الآخر: لماذا فعلت بي هكذا؟!
لتكون الإجابة المعتمدة: المصلحة العامة تقتضي ذلك، ”والمخرج عاوز كده“!
كانت الشوارع مزدحمة، والطرقات متهدمة، والعم صالح يدفع عربته المتهالكة إلى أن وصل إلى طرف السوق المجاور!!
فأنزل منها ما عليها من صناديق الفاكهة والخضروات في طريق ملتوية كالثعبان، ونادى بأعلى صوته: ”بعشرة ريال، بعشرة ريال“.
فاقتربت منه سيارة فاخرة، ونزل منها رجلٌ ذو وجاهة كبيرة، فصال وجال معه في سعر صندوق الطماطم بالقول الصريح: «أيش دعوه عاد، ما في دسكاونت، ولا عروض نهاية الموسم»؟
عاش بداية عمره في قرية صغيرة وفقيرة، وكاد أن يموت جوعاً..
وبعد أن كبر رحل إلى تلك المدينة المجاورة ذات الترف المعيشي!
فالتقى ذات يوم بصديق له وسأله: هل الذين يعيشون في تلك القرية من أبناء عمومتك؟
فقال: لا، تشابه أسماء!
دخل المكتبة، ومشى بروية وهدوء، فتعثرت رجله في صندوق صغير؛ لأن المكان يغلب عليه الظلام!
تبعه صاحب المكتبة، ونظر إليه نظرة احتقار ونهره بقوله: ما الذي أتى بك إلى هنا؛ اذهب إلى دكانك فرائحة الكير تنتظرك؟!
لم يأبه بقوله له، فأشار إليه بيده وقال: أعلم يا هذا أن الذي أتى بي إلى هنا معرفتي بمكتبتك بأكملها وما تحمله من علم ومعرفة!!
فارتفع صوت الآخر بالضحك والسخرية!!
إلى أن قال له: أخبرني بما تعرف عنها؟!
فأجابه: مكتبتك تصدح وتقول: ”يا آدمي خلك خوش آدمي، والناس مخابر موب مناظر“، فطأطأ الآخر برأسه ولم يحرك ساكناً!!