آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 1:42 م

”الفوضى الخلاقة“ وتقويض الدّول بحجّة دعم المقاومة!

حسن المصطفى * جريدة النهار العربي

قبل بضعة أشهر دار حوار بيني وبين صديق ذي تجربة ثرية ورأي سديد، حول الأحداث الدموية في قطاع غزة، والتوترات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، ومآلات هذا التصعيد على السلم والاستقرار الإقليميين.

كنت أقولُ في حديثي إن هناك بروزاً لمنظرين إسلامويين جدد، يسعون عبر مواد تنشر في ”وسائل التواصل الاجتماعي“ وحوارات ”البودكاست“ إلى تقديم رؤية عقدية - سياسية للحرب الدائرة في غزة، مصورين عملية ”طوفان الأقصى“ التي قامت بها حركة ”حماس“ بوصفها حدثاً مفصلياً في تاريخ الأمة الإسلامية والقضية الفلسطينية، وأن هناك مآلات وجودية ستترتب على المعارك التي تخوضها ”المقاومة الإسلامية“ ضد الإسرائيليين والقوى الداعمة لها.

صديقي الذي يقرأ بين السطور جيداً، أخذ الحديث مباشرة مني، وقال: نحن أمام موجة جديدة من ”الربيع العربي“ يُراد لها أن تأتي تحت غطاءِ نصرة فلسطين!

وجهة النظر هذه، هي خلاصة حديثنا الذي توافقنا عليه، وعلى أن ما يحصل حالياً أن هناك جماعات إسلاموية، في دول عربية وأجنبية، تنشط من خلال منصات: إنستغرام، تيك توك، يوتيوب، فايسبوك، X.. وسواها؛ تنشط ليس في إدانة الجرائم الإسرائيلية وحسب، بل في تشويه متعمد لسمعة دول الاعتدال العربي، وتحديداً الدول الخليجية.

فيديوهات كثيرة مزيفة، وصور يتم إنتاجها وإعادة تركيبها، والهدف منها القول إن حكومات دول الخليج العربي شريكة مع إسرائيل في جرائمها ضد المدنيين!

هذا الخطاب التضليلي، رغم كذبِ مروّجيه، إلا أنهم برعوا في استخدام التقنية لتمريره بأسلوب فجٍ أحياناً، وناعمٍ في أحايين أخرى. وهنا مكمن خطورة الجهات التي تنتجه، فلديها احترافية عالية وأهداف محددة، وتستفيد من العواطف الجياشة والشعور العارم بالغضب والعجر، تستغل كل ذلك لا من أجل وقف معاناة المدنيين في فلسطين، بل التهيئة لمشروع الفوضى، والتشكيك في شرعية الأنظمة الخليجية والملكية، ساعية لأن تحدث حالة من عدم الثقة بين هذه الحكومات ومواطنيها، تقود إلى أجواء من السلبية والسخط والصدام في الشارع!

تقويض الاستقرار في الدول العربية، ليس هدفاً لدى ”الإخوان المسلمين“ والجماعات الجهادية المسلحة السنية فقط، بل تتفق معها في الغاية ذاتها ”الميليشيات الشيعية المسلحة“، ويمكن ملاحظة ذلك في خطاباتها وأدبياتها منذ عملية ”طوفان الأقصى“ في 7 تشرين الأول «أكتوبر» الماضي، إذ يجد المراقب تقاطعاً كبيراً في المصالح والغايات، رغم الفروق الفكرية بين هذه الجماعات

في شباط «فبراير» الماضي، نشرتُ مقالة في ”النهار العربي“ كان عنوانها ”الجماعات الأصوليّة والدّعوة إلى الاغتيالات العشوائيّة من بوابة فلسطين“، تناولتُ فيها مواقف رجل الدين البحريني المتشدد مرتضى السندي، وكيف استغل الأحداث في غزة من أجل الدعوة إلى التمرد في البحرين.

ليس ببعيد منه، خطاب الناطق باسم ”كتائب عز الدين القسام“ أبو عبيدة، الذي ألقى خطاباً في 23 تشرين الثاني «نوفمبر» 2023، دعا فيه المواطنين الأردنيين إلى التحرك، قائلاً ”أنتم يا أهل الأردن كابوس الاحتلال الذي يسعى ويجتهد لتحييده وعزله عن قضيته“.

أيضاً، في 1 نيسان «أبريل» الجاري، نشرت الحسابات التابعة لـ ”محور المقاومة“ في العراق في تطبيق ”تليغرام“ بياناً للقيادي في ”كتائب حزب الله“ أبو علي العسكري، أعلن فيه أن ”المقاومة الإسلامية في العراق أعدت عدتها لتجهيز المقاومة الإسلامية في الأردن بما يسد حاجة 12 ألف مقاتل من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقاذفات ضد الدروع والصواريخ التكتيكية وملايين الذخائر وأطنان من المتفجرات، لنكون يداً واحدة للدفاع عن إخوتنا الفلسطينيين“.

إعلان أبو علي العسكري تزامن مع التظاهرات اليومية التي تشهدها المملكة الأردنية، وهي الاحتجاجات التي ظاهرها نصرة فلسطين، لكن هنالك خشية حقيقية من أن هناك جهات إسلاموية تريد الاستفادة منها وتوجيهها، وإعادة إنتاج ثورات ”الربيع العربي“ مجدداً، خصوصاً أن كرة الثلج عندما تتدحرج تكبر بسرعة، مستغلة الأوضاع الاقتصادية وحالات الإحباط والعواطف الغامرة تجاه فلسطين ومأساتها الإنسانية.

إن التعاطف مع المدنيين في فلسطين، ودعمهم مالياً وإغاثياً، واجب أخلاقي وإنساني، عبر القنوات النظامية في كل دولة. كما أن الوحشية الإسرائيلية في استهداف المدنيين والأطفال والنساء والمستشفيات لا يمكن الدفاع عنها أو تبرير دمويتها؛ إلا أن كل ذلك يجب أن لا يقود إلى تقويض السلم الأهلي أو زعزعة الأمن والاستقرار، وأن نخسر الإنجازات العديدة التي بنيناها طيلة سنوات.

من المهم أن يكون هناك وعي بأن جماعات الإسلام السياسي تستغل الأحداث الجارية من أجل مصالح حزبية، وتريد أن تعود لتكون في السلطة، وتقدم نفسها بديلاً من الحكومات العربية.

هذا التحايل من ”الإخوان المسلمين“ وسواهم، يشكل خطراً حقيقياً لا ينبغي التهاون حياله. وهذه ليست دعوة إلى القمع أو خنق الحريات العامة أو منع التعاطف الإنساني مع الفلسطينيين، بل علينا أن نتساءل: لماذا يتفق الإسلامويون من مختلف التيارات على تشويه صورة دول الاعتدال العربي، ولماذا يدفعون نحو الصدام بين الحكومات العربية وشعوبها، وهل سيقود ذلك إلى وقف الحرب على غزة؟

من يتأمل بهدوء بعيداً عن العواطف، سيجد أن التيارات الإسلاموية بارعة في الاستثمار وقت الأزمات، وأن الفوضى من مصلحتها، لأنها بيئتها الخصبة التي تنشط فيها وتعرف كيف تستغل تناقضاتها.

خلال هذه المرحلة الحرجة شرق أوسطياً، فإن صون كيان الدولة وتعزيز قيم المواطنة وسيادة القانون والسلم الأهلي، شروط أساسية للنجاة، لأن أي تنمية أو إصلاح لا يمكنهما أن يتما إذا عمت الفوضى أو انتشر السلاح والإرهاب؛ ولذا، إذا أردنا أن تكون للإنسان قيمته وتحترم حقوقه وتصان كرامته، فعلينا أن لا نقع ضحية خطابات التضليل والتحريض التي تنشط الجماعات الأصولية في الترويج لها، وعلينا أن نقرأ التاريخ جيداً ونعتبر من قصصه ومآسيه!