آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 2:52 م

يا بخت الدراويش

أحمد رضا الزيلعي

”درويش“ مفردة اْلتصقت بالتصوف إلا أن لغوياً لها معنى آخر فبحسب ما ذكر في موقع المعاني هناك ثلاثة معاني متفق عليها تقريباً [1] :

• دَرْويش جمعها ”دَرَاويشُ“ وتعني:

1- زاهِد، متعبّد، جوَّال «عند الصُّوفيّة».

2- فقير.

3- أحد أتباع طريقة إسلاميَّة زاهدة يؤدِّي بعضُهم رقصات دوّارة وغناءً قويًّا كوسيلة للوصول إلى النّشوة الروحيَّة المستمدّة من التكرّس للعبادة.

4- كَانَ دَرْوِيشاً فِي عَيْشِهِ: فَقِيراً. أنَا رَجلٌ دَرْوِيشٌ وَلاَ أفْهَمُ كُلَّ هَذِهِ التَّعْقِيدَاتِ. «غسان كنفاني»

وبحسب ما ذكر في موقع ويكيبيديا ”الدراويش هم زهاد بعض الطرق الصوفية شديدي الفقر والمتقشفين عن اقتناع وإيمان. وهم يعيشون على إحسان الآخرين زهدا بامتلاك أي أملاك مادية“ [2] .

بغض النظر عن جميع ذلك، تطلق مفردة ”درويش“ في أيامنا على كل شخص قليل الوعي والإدراك والإحاطة بعصره وما يدور حوله. إلا أن هذا المفهوم أو المصطلح امتد ليطال كل من التزم بدينه وسار على وفق تعاليم الشرع الحنيف إذا تزاحمت الأمور بين الشرع وما يفرزه العصر من فرضيات رجحها غير ”المتشرعة المعروفون بالتدين سواء احتياطاً أو تورعاً عن الشبهات أو عملاً للمستحبات وتركاً للمكروهات“.

وليس بالضرورة أن يكون أولئك من غير المتدينين بل يقصد بهم من يقفون على حدود الحلال والحرام ”واجب ومحرم“ فقط وفقط. فيقدمون المصالح الشخصية على المصالح الاجتماعية سواء مالية ومادية أو وجاهة وأمور معنوية آخر، بمعنى آخر ”أنا ومن ورايه الطوفان“. فهؤلاء، وهم شريحة الأغلب من المجتمعات، ينظرون للمتشرعة ”المتدينون“ أنهم أناس بسطاء منشغلون بأمور غير راجحة بحسب طبيعة الزمان وإن كان ما يفعلونه نابع من الشرع وهديه المقدس. فيرون إعانة المحتاج استغفال من المحتاج لهم والتضحية ببعض الفرص إيثاراً لغيرهم أنه سذاجة والعمل التطوعي وخدمة المجتمع تعرض لاستغلال الناس وانتهازيتهم والتخلص من المسؤوليات وحملها عن المتقاعسين من أبناء المجتمع وغيرها من الصور فحدث ولا حرج «هذا لا ينفي وجود بعض هذه الحالات والتي يجب أن تقف عند حدها وفي المقابل لا يصح التعميم على كل حالة أنها ينطبق عليها ذلك».

من أسباب هذه الحالة هو الفكر المادي الذي تشربنا به إلى حد الثمالة، على ما يذكره أحد الفضلاء. فالمادية تعني أن القيمة للمصالح الدنيوية الشخصية وما سواها لا بد أن يقدم بمقابل مادي دنيوي وإلا فالفرد خاسر. وهذا يعني أن لا قيمة للمبادئ والأخلاق والآداب والتعاليم الدينية وعالم ما بعد الحياة الدنيا.

قد يكون كاتب هذه السطور واقع في فخ من فخاخ هذه المادية المقيتة وهو لا يعلم لشدة توغلها لذلك ”حالتنا“ تحتاج لدقة وتمحيص عن دوافعنا الداخلية للأعمال التي نقوم بها ولا نقصد بذلك حالة الهوس المرضي لأن الدقائق لا يعلمها إلا الله عز وجل ففي الحديث الشريف عن النبي الأعظم ﷺ: ”يا أيها الناس اتقوا الشرك، فإنه أخفى من دبيب النمل، فقال: من شاء أن يقول: وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل، يا رسول الله؟! قال: قولوا: اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك ونحن نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه“ [3]  والشرك المقصور في الرياء هو الرياء الذي يدفع الإنسان للأعمال الصالحة من أجل السمعة والشهرة وغيرها. على كل حال:

• من المؤسف أن يصبح السير على نهج محمد وآل محمد.. دروشة!!

• والسير على خطى شهداء أحد الذين آثروا بعضهم من أجل شربة ماء.. دروشة!!

• أن يصبح الوقوف عند المبادئ وإيثار الدين على المصالح الآنية كما فعل أمير المؤمنين عند تسنمه للخلافة الظاهرية.. دروشة!!

• ومن المؤسف أن يصبح السير على خطى أبي الفضل العباس في إيثاره لإمامه الحسين .. دروشة!!

• وأن طلب العلم الديني ومجالسة العلماء وفقاً لدعوى الإمام الصادق للتفقه في الدين.. دروشة!!

• وإعانة الفقراء والمساكين التي تركت أثراً على ظهور أئمتنا صلوات الله وسلامه عليهم.. دروشة!!

• والبكاء من خشية الله كما عرف به الإمام زين العابدين .. دروشة!!

• والبكاء على مصائب أهل البيت كما فعل النبي وآله والأنبياء والأوصياء وشيعتهم الأبرار الأتقياء والصالحين.. دروشة!!

• والدور المقدس للأنبياء والأوصياء لهداية المجتمعات ورعايتها.. دروشة!!

• وكظم الغيظ عن السفهاء كما فعل الإمام الكاظم .. دروشة!!

• التوقف عن أخذ الأموال المشبوهة التي قال عنها الجميع أنها لك ولكنك تعلم أنها ليست لك فلم تأخذها تورعاً.. دروشة!!

• الزواج وتربية الأبناء ”عند بعض الشباب“.. دروشة!!

• وغيرها.. ويمكنك إضافة الكثير الكثير أيها القارئ الكريم.

فهل نعي جذور أفكارنا وأبعادها ودوافعنا وإلى أين وصلت بنا؟؟

من المناسب ذكر نص روائي ”عن الصادق، عن آبائه أن النبي ﷺ قال: دخلت الجنة فرأيت أكثر أهلها البله، يعني بالبله المتغافل عن الشر، العاقل في الخير، والذين يصومون ثلاثة أيام في كل شهر، كم منا يرفل في الشر بدعوى كرامة النفس وعزتها عن تعدي الآخرين بينما هو يغرق في الذل والهوان بمعصية الله ورسوله وأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم وهو لا يشعر لأنه لا وعي له فعن الإمام الحسن المجتبى “ وإذا أردت عزاً بلا عشيرة، وهيبةً بلا سلطان، فاخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعة الله عز وجل ”وفي النص الشريف“ رحم الله امرئً عرف من أين وفي أين وإلى أين ”فهل نعي نحن أين في هذه المسيرة التي نسير فيها مرغمين. في وصية أمير المؤمنين لريحانة رسول الله ﷺ ابنه الإمام المجتبى :“ رُوَيْداً يُسْفِرُ الظَّلَامُ - كَأَنْ قَدْ وَرَدَتِ الأَظْعَانُ - يُوشِكُ مَنْ أَسْرَعَ أَنْ يَلْحَقَ واعْلَمْ يَا بُنَيَّ - أَنَّ مَنْ كَانَتْ مَطِيَّتُه اللَّيْلَ والنَّهَارَ - فَإِنَّه يُسَارُ بِه وإِنْ كَانَ وَاقِفاً - ويَقْطَعُ الْمَسَافَةَ وإِنْ كَانَ مُقِيماً وَادِعاً - واعْلَمْ يَقِيناً أَنَّكَ لَنْ تَبْلُغَ أَمَلَكَ ولَنْ تَعْدُوَ أَجَلَكَ - وأَنَّكَ فِي سَبِيلِ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ - فَخَفِّضْ فِي الطَّلَبِ وأَجْمِلْ فِي الْمُكْتَسَبِ - فَإِنَّه رُبَّ طَلَبٍ قَدْ جَرَّ إِلَى حَرَبٍ - ولَيْسَ كُلُّ طَالِبٍ بِمَرْزُوقٍ - ولَا كُلُّ مُجْمِلٍ بِمَحْرُومٍ - وأَكْرِمْ نَفْسَكَ عَنْ كُلِّ دَنِيَّةٍ - وإِنْ سَاقَتْكَ إِلَى الرَّغَائِبِ - فَإِنَّكَ لَنْ تَعْتَاضَ بِمَا تَبْذُلُ مِنْ نَفْسِكَ عِوَضاً - ولَا تَكُنْ عَبْدَ غَيْرِكَ وقَدْ جَعَلَكَ اللَّه حُرّاً - ومَا خَيْرُ خَيْرٍ لَا يُنَالُ إِلَّا بِشَرٍّ - ويُسْرٍ لَا يُنَالُ إِلَّا بِعُسْرٍ - وإِيَّاكَ أَنْ تُوجِفَ بِكَ مَطَايَا الطَّمَعِ - فَتُورِدَكَ مَنَاهِلَ الْهَلَكَةِ - وإِنِ اسْتَطَعْتَ أَلَّا يَكُونَ بَيْنَكَ وبَيْنَ اللَّه ذُو نِعْمَةٍ فَافْعَلْ - فَإِنَّكَ مُدْرِكٌ قَسْمَكَ وآخِذٌ سَهْمَكَ - وإِنَّ الْيَسِيرَ مِنَ اللَّه سُبْحَانَه أَعْظَمُ وأَكْرَمُ مِنَ الْكَثِيرِ مِنْ خَلْقِه - وإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْه وتَلَافِيكَ مَا فَرَطَ مِنْ صَمْتِكَ - أَيْسَرُ مِنْ إِدْرَاكِكَ مَا فَاتَ مِنْ مَنْطِقِكَ - وحِفْظُ مَا فِي الْوِعَاءِ بِشَدِّ الْوِكَاءِ - وحِفْظُ مَا فِي يَدَيْكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ طَلَبِ مَا فِي يَدَيْ غَيْرِكَ - ومَرَارَةُ الْيَأْسِ خَيْرٌ مِنَ الطَّلَبِ إِلَى النَّاسِ - والْحِرْفَةُ مَعَ الْعِفَّةِ خَيْرٌ مِنَ الْغِنَى مَعَ الْفُجُورِ - والْمَرْءُ أَحْفَظُ لِسِرِّه ورُبَّ سَاعٍ فِيمَا يَضُرُّه - مَنْ أَكْثَرَ أَهْجَرَ ومَنْ تَفَكَّرَ أَبْصَرَ - قَارِنْ أَهْلَ الْخَيْرِ تَكُنْ مِنْهُمْ - وبَايِنْ أَهْلَ الشَّرِّ تَبِنْ عَنْهُمْ - بِئْسَ الطَّعَامُ الْحَرَامُ - وظُلْمُ الضَّعِيفِ أَفْحَشُ الظُّلْمِ ”[4] ... وصية يجب أن نراجعها دائماً ونقرأ شروحها فهي من باب“ إياك أعني واسمعي يا جاره".

ختاماً.. يا بخت [5]  الدراويش ”المتغافلون الواعون“.

نفحة علوية

”... يَنْظُرُ إِلَيْهمُ النَّاظِرُ فَيَحْسَبُهُمْ مَرْضَى، وَمَا بِالْقَوْمِ مِنْ مَرَضٍ، وَيَقُولُ: قَدْ خُولِطُوا! وَلَقَدْ خَالَطَهُمْ أَمْرٌ عَظِيمٌ! لاَ يَرْضَوْنَ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الْقَلِيلَ، وَلا يَسْتَكْثِرُونَ الْكَثِيرَ، فَهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ مُتَّهِمُونَ، وَمِنْ أَعْمَالِهِمْ مُشْفِقُونَ....“ [6] 


[1]  معنى درويش - موقع المعاني

https://www.almaany.com/ar/dict/ar-ar/%D8%AF%D8%B1%D9%88%D9%8A%D8%B4 /

[2]  معنى درويش - موقع ويكيبيديا

https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AF%D8%B1%D9%88%D9%8A%D8%B4

[3]  الرياء هو الشرك الخفي

http://shiaonlinelibrary.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/1693_%D9%85%D9%8A%D8%B2%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%83%D9%85%D8%A9-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%8A%D8%B4%D9%87%D8%B1%D9%8A-%D8%AC-%D9%A2/%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%81%D8%AD%D8%A9_525

[4]  وصية الأمير لابنه الإمام الحسن عليهما السلام

https://ar.wikishia.net/view/%D9%86%D8%B5: %D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%84%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%85%D8%A7%D9%85_%D8%B9%D9%84%D9%8A_%D8%A5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%85%D8%A7%D9%85_%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B3%D9%86

[5]  معنى بخت "البخت: «مصطلحات» بالفتح، لفظ معرب، جمع بخوت، الحظ. «فقهية»

https://www.almaany.com/ar/dict/ar-ar/%D8%A8%D8%AE%D8%AA/#google_vignette

[6]  خطبة المتقين

https://www.imamali.net/?id=13726