الحب في ليلة
كالنور المنبلج أول النهار والمنسدل على جدران الحياة، معلنا عن حب جديد يتوزع على أهل الأرض قادم من السماء، هو ذلك الشعور الذي يترقب ليالي القدر المباركة كل عام، ما بين خوف ورجاء، وعتمة ونور، وما بين حب جميل وآخر أجمل منه.
تقف الأرواح بين يدي خالقها تبتهل وتبكي وتتمنى، تغسل وجع ظل متردد بين خفقة القلب وبحة الصوت وتستقرض دمعا لطالما كان متمردا من فرط كبريائه.
في الكون اليوم والليلة هي أزمنة موسومة بأرقام بشرية، مشبعة بتفاصيل يختص بها كل واحد من الناس عن الآخرين، تقفل عليهم الدور، وأسوار البيوت، ووراء كل سور تحكى حكاية مختلفة عن أي حكاية أخرى، إلا في ليلة القدر حين تتجرد الأجساد عن تلك الأقفال، وتحمل الأرواح ضجيج الدعاء بين يديها لتصعد به في عتمة الليل إلى السماء، لا تخشى أن تضيع كلماتها بين الخطابات الكثيرة المنتشرة، فلكل حرف مكان وزمان ومسار لا يحيد عما رسم له في أن يكون ليكون.
هكذا هي ليلة القدر، معجزة الليالي، تضيق وتتسع، تبكي، وتفرح، تفرج وتثقل، تحب من أحبها ولا تكره من لم يشعر بها ترجوه إليها وإن عز نفسه عنها تدعوه لها وإن اختار سواها صابرة غير آيسة من قلوب البشر ومن حب كان من الأولى أن يكون لها.
هكذا هي ليلة القدر، فضلت أن لا يعرف لها حد تحوم بالأقدار في بضع ليال، تبرم وتوقع، والروح تخاف وترتجي، تتأمل وتطمح.
يقول المولى تعالى: ﴿فيها يفرق كل أمر حكيم﴾ ويقول سبحانه: ﴿ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها﴾
ويكفيك أن تقرأ: ﴿وما أدراك ما ليلة القدر﴾ .