الكاريزما بين الوراثة والاكتساب
جَاءَ والهيبة معه أو كما يُقال ”لقد جَمُلَ الكرسي به، ولكن الكرسي لم يُجَمِّلهُ“. كلُّ هذه الملكات والكاريزما التي كوّنت شخصية هذا الإنسان لم تأتِ من فراغ، بل جاءت حصيلة خبرات وممارسات واكتساب علم كما يحددها ويصفها علم الوراثة «Genetics» الذي يعتبر بدوره فرع من فروع علم الأحياء مطلقًا عليها ما يدعى بالصفات الكمية التي تتأثر بالكم والتي يمكن وراثتها والتي يمكن تنميتها وصقلها عن طريق التعلم فهي نتاج خليط من تأثير الوراثة والبيئة معًا؛ فهي تجمع بين الصفات الوراثية والصفات المكتسبة.
قد يمتلك الإنسان ذكاءً خارقًا أو جمالًا باهرًا، لكن لا يمتلك الأدوات التي يستطيع من خلالها إبراز هذا الجمال أو ذلك الذكاء. وحتى يستطيع الإنسان أن يكون ذا شخصية مؤثرة أو فعالة فيمن حوله أو ما يصطلح عليه ”الكاريزما“ لا بد له من استعدادات ذاتية تصقل وتقوى بالتعلم.
الكاريزما تعود إلى مصطلح يوناني أصلاً مشتق من كلمة نعمة، أي هبة ربانية تجعل المرء مُفضلاً لجاذبيته. وقد اصطلح على الكاريزما بأنّها قوة الجاذبية الشخصيّة التي يمتلكها بعض الأفراد فطريّاً، وتجعلهم قادرين على التأثير في الأفراد وجذبهم ولفت انتباههم واكتساب إعجابهم، كما يمكن تحديد الشخصية الكاريزميّة، ولكن من الصعب تحديد المهارات والصفات التي يمكن أن يكتسبها الأشخاص الأقل كاريزميّة، وتُكون الكاريزما مزيجاً يُطلق عليه العلماء مزيج ”التبعية والتأثير“، وهذا المعنى نفسه نجده فيما يروى عن أمير المؤمنين في حديث خطبته للزهراء قال: ".. دخلت على رسول الله ﷺ وكانت له جلالة وهيبة، فلما قعدت بين يديه أفحمت، فوالله ما استطعت أن أتكلم. وفي وصف ضرار بن ضمرة في علي بن أبي طالب - سلام الله عليه - أنه قال: رحم الله عليًا كان والله فينا كأحدنا، يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه، ويقربنا إذا زرناه، لا يغلق له دوننا باب، ولا يحجبه عنا حجاب، ونحن والله مع تقريبه لنا وقربه منا لا نكلمه لهيبته، ولا نبتديه لعظمته، فإذا تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم.
تكون الكاريزما على شكلين مختلفين، فهي أما تكون كاريزما هادئة أي أنّ تأثيره على الأفراد يكمن بجذبه لا بكلماته، أمّا البعض الآخر فتُظهر كلماته وطريقة تواصله مع الآخرين تأثيراً ملفتاً على الأفراد ممّا يجلب اهتمامهم ويزيد حماسهم.
يمكن قياس الكاريزما الشخصية عن طريق التقييم الذاتي بشكلٍ ذاتي حسب مقياس ”واحد إلى خمسة“ حيث يتمّ اختيار أكثر خمس عبارات تمثل الفرد من بين ستة خيارات كالآتي: أنا شخص له حضور في المكان المتواجد فيه، ولديه القدرة على التأثير في الأفراد، ويعرف كيف يقود مجموعة، ويجعل الناس يشعرون بالراحة، ويبتسم للناس في كثير من الأحيان، يمكنه التواصل مع أيّ شخص، ويعطي الشخص علامة لنفسه على كلّ عبارة من 1-5 ثم يُقسم مجموع الدرجات على الرقم ستة للحصول على قيمة الكاريزما الشخصيّة، وإذا كان الناتج يزيد عن 3,7 يُعتبر "أعلى من المتوسط.
هناك عدّة أنواع للكاريزما، فمنها الكاريزما ذات الشخصيّة المغناطيسيّة وهي الشخصيّة التي يمكن وصفها بالجاذبية والاهتمام، حيث إنّها تجذب اهتمام الأفراد فقط لامتلاكها حياةً ملفتةً أو شيقة، ممّا يجعل هذه الشخصيّة مؤثرة في الآخرين بسهولة. وهناك الكاريزما ذات الشخصيّة وهي الشخصيّة ذات الحضور الملحوظ لمجرد تواجدها في المكان، حيث تظهر عليها الألفة وتكسب ثقة الآخرين بلا أيّ مجهود منها.
وهناك ما يدعى بالكاريزما الشخصيّة الملفتة وهي شخصية ذكية اجتماعياً، تخاطر في طريقة حوارها وتعاملها مع الأفراد وربما تستخدم أسلوباً مخالفاً لمن حولها، ولكن رغم ذلك تنجح في جذب اهتمام الآخرين. وتكون الكاريزما ودية وهي تعتبر صفةً إيجابيةً في الأفراد وفي هذا النوع تحديداً تظهر على الفرد الإيجابية والود والألفة، كما أنّه في هذا النوع من الكاريزما التي يفضلها البعض يبتعد الشخص عن الطاقة السلبية والمنافسة مع غيره من الأفراد، ممّا يجعله يُكوّن علاقات إيجابية مع الآخرين يسودها الاحترام المتبادل والود. الكاريزما المخيفة: هذا النوع من الكاريزما يمتلكها الأفراد أصحاب الشخصيّة القاسية، والذين من الممكن أن يفعلوا أيّ شيءٍ للحفاظ على سحرهم وجاذبيته لدى الآخرين، كما أنّ هذه الكاريزما قد تعجب العديد من الأشخاص، وذلك يدل على حبهم للشخصية القاسية، ممّا يجعلهم جزء من هذه المجموعة. ويوجد ما يدعى بالكاريزما النابعة من داخل الشخص وهي الشخصية التي تنبع الكاريزما من داخلها وتظهر على شكل نقاط قوة، حيث قد يُؤدّي الفرد دوراً أقوى من دوره ومكانه، وذلك بسبب سلطة وقوة الكاريزما الداخلية ولا علاقة لها بتأثير الحضور.