آخر تحديث: 3 / 12 / 2024م - 7:35 م

المستمسك الرمضاني «6»

حياة مطمئنة:

انفلات الأعصاب بسبب الاحتكاكات اليومية مع الآخرين واستفزاز المشاعر والحوارات المتبدلة إلى أجواء ساخنة كلها مؤشرات على تلبد علاقاتنا بغبار المشاحنات والخصومات، ومتى ما استرسلنا وأفلتنا العقال للتعبير عن انفعالنا الشديد لأي سبب كان، فهذا يعني إصابة علاقاتنا الأسرية والاجتماعية بالتوترات وتسلبنا الراحة النفسية، وليس هناك من قناة نرمي فيها كل مشاعرنا الملتهبة والمستفزة إلا ضبط النفس والتخلق بالحلم وضبط إيقاع كلامنا وفق الحكمة والوعي، والتحسب من السلوكيات المتهورة والتي لن نجني منها إلا الخراب والخسائر الفادحة، وهنا يتجلى في شخصية الإنسان ما تلقاه من تربية قيمية في رسم أهداف الحياة التكاملية والإنجازية بعيدا عن الدخول في معارك هامشية تستغرق الكثير من أوقاته وجهوده وتستنزف قواه الفكرية والنفسية والانفعالية، وتحوله إلى شخصية ضعيفة تتأثر سلبا بأي استفزاز أو إساءة وتصرفه عن مسيره التكاملي.

الإعراض عن رد الإساءة وروح الانتقام من أهم الدلالات على العقل الراجح والذي يعرف صاحبه كيفية التعامل مع المواقف المأزومة والحرجة، حيث يحذر من الانزلاق إلى هاوية الخلافات المتصاعدة مع الآخرين فلا يقع بسهولة في فخ المواجهات الساخنة والتي لا جدوى منها، بل يرسم إيقاعه على أرض الواقع وفق ضبط مشاعره وتصرفاته بهدوء وتريث، فردة الفعل المتسرعة سيجني منها الندم الشديد على ما صدر منه وتضعف مكانته الاجتماعية، بينما ضبط الإيقاع خلف العقل الواعي في الأوقات المؤلمة يعطي فرصة للتصرف بحكمة واتخاذ القرار المناسب، فموقفه في تلك اللحظات يقع تحت مجهر التحكيم وتأطير شخصيته وفق الحكمة أو التهور، ومتى ما كان كابحا للجام نفسه لئلا تسير خلف هواه ومشاعره المستفزة، استطاع حينها أن يبقى في دائرة التفكير العقلاني والتزام القيم الأخلاقية التي يؤمن بها وها هو قد جسدها وطبقها على أرض الواقع، فالهوة والفاصلة بين الفكرة والتطبيق قد يقع فيها المرء عندما لا يكون صاحب إرادة قوية تتعلم على تطبيق أفكاره ومبتنياته عمليا، وهو خلق يتدرب فيه الفرد على مواجهة المواقف الصعبة والنقاشات الساخنة المؤدية إلى الخلافات والكراهيات والخصومات، هدوء النفس وضبط الانفعالات خلق رفيع يطفئ به نائرة المشاكل والأزمات ويصفرها في طريق علاقاته المستقرة دون أن يلحق به أذى الضغوط النفسية والصدمات العاطفية، فهذه العلاقات الزوجية والأسرية مشهديتها ماثلة أمامنا والتي تمثل حالات الانفعال الشديد عاملا في توترها وتفصم تلك العلاقات وتحولها إلى بؤرة خلافات وأحقاد.

القوة الحقيقية في شخصية الإنسان لا تكون بالاستجابة السريعة لمشاعره المستفزة دون إدراك بالعواقب المترتبة عليها، بل القوة تكمن في ضبط الانفعال وعدم الانجرار إلى الصراعات المفتعلة والمدمرة.

?