آخر تحديث: 4 / 12 / 2024م - 11:28 ص

كلام يحتاج إلى وسيلة نقل

محمد الحرز * صحيفة اليوم

- الذهب الذي لا يلمع حين نلمسه ليس ذهبا.. النهر الذي يجري ولا يشق الصخر ليس نهرا

الشجرة التي لا يكون لها ظل ليست شجرة.. العين التي لا تلتقط صورة الحبيب ليست عينا

اليد التي لا تمسك الجمر لأجل إنقاذ لمسات من تحب ليست يدا.. الكلام الذي يحتاج وسيلة نقل للوصول إلى مبتغاه

ليس كلاما.. لذلك سأقول لكِ:

هذه أشجاري وأنهاري وكلامي، وتلك يدي وعيني، لا تريد منك سوى أن تعيدي لمعانها قبل أن تذبل.

- الشعر تحديقة صقر من علو شاهق إلى فريسته، انقلاب فكرة في رأس صاحبها إلى ضدها، يد صلبة تطبق الباب على الجريمة حتى لا تخرج إلى الشارع، مياه محبوسة في أنابيب حمام عمومي، بائع أقمشة متجول، يبيع في النهار ما يسترده في الليل.

- أخيرا لمست القصيدة بيدي، مررت على جلدها الناعم بأطراف أصابعي.

لم أعثر على النتؤات التي بسببها كنت أظن، أنها لن تقترب مني، لم أعثر على شيء يمنع التصاق الجلد بالجلد.

فيما مضى كنا، في منزل واحد، ننام في غرفة واحدة، نجلس إلى طاولة الطعام، نفطر ونشرب القهوة ذاتها، نتحدث عن أحوالنا اليومية.. هي تشكو من كثرة الاستعارات، لأنها تبطئ خطوها في السفر والتعرف، على أناس في مدن بعيدة.

بعض الأحيان تهاتفني من هناك، وهي متضايقة من تصرفات بعضهم، خصوصا حين يجلبون فرقهم الموسيقية، ويطلبون منها الرقص دون أن يعرفوا مزاجها في تلك اللحظة؟ بعض القراء، تقول لي، دائما يأخذونها عنوة تحت تهديد السلاح، إلى تجار مخدرات، كي يلصقوا كلماتها في بطاقات بريدية، ويبعثوا بها إلى زوجاتهم في قراهم النائية، وكنت بدوري أشكو لها، حالة الصرع التي تنتابني من حين لآخر، وأعتذر منها إذا ما آذيتها وأنا في تلك الحالة.. لكنني طوال هذه المدة من الصحبة، لم أنتبه إلى أنني لم ألمسها قط! ولولا زوجتي وأطفالي لما تعرفت على ملمس الحطب المتفحم، بعد كل حريق هائل، تشعله القصيدة في منزلي ثم تذهب.

- خطئي الوحيدُ

أني لم أضع على بابِ القصيدة حراسةً مُشدّدة.. لذا لم يُبقِ اللٌصُوصُ على شيء.. من أنهارِها، وأثمارِهَا.. أو حتّى حيواناتِهَا الجميلة.. سوى على جبلٍ أجرد

يطلٌ على صحراءِ وحشتِي.. ذلك عصافيرُكِ.. حزينةٌ هذا الصباح، تُغنّي على أغصانِ كلماتي.

- أكتب الشعر كما لو أني أفتح بابا على غابة، على سماء محتشدة بالزرقة، على سهول وبراري، على أنهر لا ضفاف لها كما لو أني أربي أشجارا في نومي، كي أصحو على سقوط ثمارها، كما لو أني الدهشة أمام نفسها، البياض خلف بياضه، الموسيقى ما قبل مستمعيها وما بعدهم.. أكتب الشعر كما لو أني الشاعر الذي أضاع المفتاح بعدما أقفل على نفسه باب القصيدة، ولم يعرف الخروج.

- عندي بيت..قديم داخل هذه القصيدة..لا تضربه العواصف، ولا تغرقه الفيضانات ولا تهدّه الزلازل.. أحتمي به كل شتاء.. ولا أخرج.. بيوت القصائد الأخرى..عند أصدقائي الشعراء.. يرفعون أيديهم علامة استفهام!

فأقول: هي تعويذتكِ الحصينة.. يوم نقشتُ حروف اسمك.. على بابه، فكانت المعجزة!