آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

نسخة القرآن الكريم الموقوفة على مسجد آل أبي خمسين «1»

محمد علي الحرز

المقدمة:

القرآن الكريم هو كتاب الله المقدس الذي أنزله على نبينا محمد، وفيه الدستور الإسلامي الذي أمر المسلمين باتباعه واستقاء تعاليمه، فكان بيه العناية والاهتمام من المسلمين حفظاً وصيانتاً واتباعاً منذ عهد الرسالة على يد النبي الأكرم، ثم استمر من بعده إلى يومنا هذا، فبه الهداية والرشاد، ومنه التوفيق والنجاح، قال تعالى: ﴿إِنّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشّرُ الْمُؤْمِنِينَ الّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّالِحَاتِ أَنّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً[1] .

ومن أشكال الاهتمام والعناية هي مسألة النسخ للمصحف الشريف بكل جمالية وتزويق بالرسومات والزخارف الإسلامية، وقد تفنن نسّاخ القرآن الكريم بوضع اللمسات الجمالية التي تضفي عليه الجاذبية الشكلية مضافاً إلى المغناطيس الداخلي لكتاب الله، إلا ان هذه الرسومات تختلف في مستواها ودرجتها من ناسخ إلى آخر بمقدار الاحترافية في الخط، والقدرة على رسم الصور الرائعة لإطار الآيات أو الفواصل أو الصفحات الأولى والأخيرة منه.

وبين أيدينا نسخة من القرآن الكريم عبارة عن ثلاثين جزء منفصلة، بخط الخطاط الأحسائي الماهر الشيخ محمد بن علي البقشي، الذي سخّر كل إمكانياته الفنية والإبداعية من حيث الخط والرسومات في نهاية كل جزء من القرآن الكريم.

وهنا خلال الشهر المبارك نستعرض هذه النسخة الفريدة في ثلاثين حلقة تتناول بعض صور كل جزء منه، لنكحل عيوننا بها، مع تعريف مقتضب عن ملامح المخطوط القرآني لكل جزء على حده.

التعريف بنسخة المصحف:

نوع المخطوط: ربعة المصحف الشريف، وهي القرآن المجزأ إلى ثلاثين جزء [2] .

مكان الحفظ: مسجد آبي خمسين [3] ، الواقع بمدينة الهفوف حي الرفعة، ضمن فريج الفوارس، الذي هو أحد أحياء مدينة الأحساء القديمة، وهو مجاور، مسجد سوق الدهن، وسكة الصاغة.

الجلدة: أصلية.

الناسخ: الخطاط المبدع الشيخ محمد بن علي البقشي «1291 - 1375 هـ ».

هو الشيخ محمد بن علي بن عبد الله بن حسن بن سليمان البقشي، من مدينة الهفوف، ومن بيت البقشي المعروف بالوجاهة والمكانة الاجتماعية الكبيرة في البلاد، درس في الأحساء وتلقى علومه على أعلامها منهم: الشيخ إبراهيم بن عبد المحسن الخرس، والشيخ سلمان بن محمد الغريري، والشيخ موسى بن عبد الله أبوخمسين، وغيرهم.

توفي ببلده مدينة الهفوف في 15 من شهر جمادى الثانية سنة 1375 هـ  [4] .

فن الخط والرسم عند الشيخ البقشي:

فهو صاحب خط جيد وجميل، ويعد من خطاطي الأحساء المشهورين الذين لمع صيتهم خلال القرن الرابع عشر الهجري، وعن هذه الموهبة والملكة عند الشيخ البقشي، يشير المؤرخ والباحث الأستاذ أحمد بن حسن البقشي: >تصنف الصياغة وخياطة البشوت فنياً من ضمن الفنون التطبيقية، لأن الممارس لها يمارس شكلاً من أشكال الرسم أو النحت لكن باستخدام خامات أخرى هي الذهب أو الفضة أو خيوط الزري، لذا من يمارسها يكون عمليا قابضا على مهارات يطبقها في فنون أخرى كالخط والرسم، والشيخ محمد البقشي الذي زاول تلك المهنتين فقد كان يمارس «التراش» أي النقش على المعدنين الثمينين وهذا بالتأكيد ملّكهُ مهارة إضافية في تزيين المصاحف والكتب التي لم يكن ليتركها دون حلية تزيين في المقدمات والخواتم [5] .

منسوخاته:

تم على أيديهم نسخ عشرات الكتب، وكانت وسيلة ترزق بالنسبة له، وتمتاز مخطوطاته بالتزام بقواعد اللغة وفنون الخط، مما جعل مخطوطات محل رغبة شديدة لدى العلماء والأعيان في البلاد، يوجد بخطة:

1 - الرسالة العملية في الطهارة والصلاة:

تأليف: الشيخ محمد بن عبد الله آل عيثان «1260 - 1331 هـ ».

وقد ختمها الناسخ بقوله: ”قد وقع الفراغ من تسويد هذه الرسالة - أطال الله في بقاء مصنفها - يوم الرابع عشر من شهر ذي الحجة الحرام سنة التاسعة عشر بعد الثلاث ماية والألف من الهجرة النبوية على مهاجرها ألف الثناء والتحية على يد أقل الناس عملاً، وأكثرهم زللاً، محمد بن علي بن عبد الله آل سليمان البقشي عفى الله له ولوالديه والمؤمنين والمؤمنات.. [6] “.

بدأها بكتاب الطهارة إلى أن ختمها بصلاة المسافر ثم صلاة الخوف ثم العيد ثم صلاة الاستسقاء ثم في الاستخارة وأخيراً يختمها في نوافل ليالي شهر رمضان، وهي تقع في «371» صفحة

2 - تبصرة للإخوان الخلان في بيان سورة الرحمن:

تأليف: الشيخ محمد بن إسرائيل بن رحمة المحكمة الهجري.

تاريخ النسخ: قام بنسخها الشيخ محمد بن علي البقشي في يوم الاثنين الرابع عشر من شهر شعبان لسنة 1367 هـ  [7] .

يوجد هذا مخطوط ضمن مجموع يقع في «82» صفحة، كتبها مصنفها في القرن الثالث عشر.

3 - أجوبة مسائل الشيخ محمد بن عبد الله بن حاجي:

تأليف: الشيخ محمد بن إسرائيل بن رحمة الهجري

وهي مسائل أجاب عنها الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي «1166 - 1241 هـ »، ضمن المجموع المخطوط دون تاريخ نسخ، ويقع في «9» صفحات [8] .

4 - رسالة في إثبات المعاد الجسماني بالعقل:

تأليف: الشيخ محمد بن عبد الله بن حاجي رحمة المحكمة الهجري.

قال في مطلعها: ”إني قد سمعت من بعض الأفاضل في المعقول والمنقول، عدم القول بإثبات المعاد الجسماني بالعقل، إذ لا ريب في إثباته“.

وهو الكتاب الثالث ضمن المجوع الخطي السابق، وهو ناقص في النهاية، ويقع في «53» صفحة [9] .

5 - ديوان النور:

تأليف: الشيخ محمد بن الشيخ حسين الصحاف «ت: 1313 هـ ».

يقول السيد هاشم الشخص في أعلام هجر: ”بخط الشيخ محمد بن علي البقشي الأحسائي المتوفى سنة 1375 هـ ، فرغ من كتابته في آخر نهار يوم الخميس 13 جمادى الثاني سنة 1370 هـ ، ويبلغ عدد أبياته حوالي خمسمائة بيت، وكله في مدح ورثاء أهل البيت“ [10] .

6 - القرآن الكريم:

تاريخ النسخ: شرع في نسخها سنة 1336 هـ .

اسم الواقف: الفقيه الشيخ موسى بن عبدالله آل أبي خمسين «1298 - 1353 هـ » [11] .

نص الوقفية: وردت الوقفية في جميع الأجزاء الثلاثين إلا القليل منها، ونص الوقفية ”بسم الله الرحمن الرحيم. قد أوقف الرّجل المعظّم الشيخ موسى بن عبد الله آل أبي خمسين، هذا الجزء قربة إلى الله تعالى، للاستنفاع به، قراءة ما عدى التعليم، 8 شعبان 1343 هـ “.

وهنا نجد حرص الواقف على استثناء التعليم، ويقصد به الأطفال، وذلك لعدم عناية الأطفال بالطهارة من جهة، وخشية على النسخة من التلف نتيجة لقلة الحرص عند صغار السنّ عادةً.

التجليد: الجلد الأحمر القاني، وعطفه أحمر فاتح، ومبطنة بالكارتون الصلب، مع وجود نقش في الجهة الأمامية منه، في بعض الأجزاء.

قياس الجلدة: 16 x 23سم.

عدد الأوراق في الأجزاء: بين 15 - 18 ورقة.

عدد الأسطر في الصفحات: 10 أسطر تقريباً.

نوع الخط: خط النسخ الجيد.

الحالة: تمتاز النسخة أنها تامة «30» جزءاً، وسليمة من العطب، إلا بعض الصفحات بسبب الأرضة وتقادم الزمن، حيث تآكلت بعض الصفحات نتيجة للأرضة، وأثر الرطوبة، ووجود تمزق في البعض الآخر، وسيأتي بيانه في كل جزء على حده.

ورق المصحف: ورق أبيض مائل إلى الصفرة.

لون المداد: كتب المداد الأسود لكتابة الآيات القرآنية، والمداد الأحمر لأسماء السور، وعدد الآيات، والإطار المحيط بالصفحات.

الجزء الأول:

عدد الأورق: 15 ورقة.

عدد الأسطر: 10.

أول الجزء: سورة الفاتحة.

آخر الجزء: ﴿تِلْكَ أُمَّة قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ. الآية: 134، من سورة البقرة.

قيد النسخ: "﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ «180» وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ «181» وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ «182». سورة الصافات.

﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا ۚ لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ سورة الأنعام: 115.

آخر نهار يوم الاثنين من شهر شعبان المعظم من سنة 1334".

نص الوقفية: في الصفحة الأولى من الجزء الأول سجل الناسخ نص الوقفية بخطه نيابة عن الواقف ونصها: ”بسم الله الرحمن الرحيم. قد أوقف الرّجل المعظّم الشيخ موسى بن عبد الله أبي خمسين، هذا الجزء قربة إلى الله تعالى، للاستنفاع به، قراءةً ما عدى التعليم، 8 شعبان 1343 هـ “.

الزخرفة القرآنية:

أجاد الناسخ في تأطير الصفحات بالزخارف الهندسية الجميلة، وبداية سورة الفاتحة بإطار مستمد من البيئة الزراعية الأحسائية، بعمل مستطيل يحوي الورود المختلفة الاتجاه، بينما باقي الصفحات عبارة عن خطين في محيط الصفحة باللون الأحمر.

وفي نهاية الجزء أنهاه بشكل جميل نصف دائرية أسفله زهرة مقلوبة متعددة الألوان.

الملاحظات:

في أول الجزء يذكر رقم الجزء من المصحف الشريف، وهنا ذكر «الجزء الأول»، كما يبدأ كل سورة بمحل نزولها، وعدد آياتها.

صفحات المصحف الشريف مشكولة بالحركات، ويختم الصفحة اليمنى بالكلمة الأولى من الصفحة اليسرى، وذلك خارج إطار الكتابة للسور.

يوجد تمزق في بعض صفحاتها، كما يظهر أثر الرطوبة في أطرافها، وقد تمّ ترميم النسخة.








 

[1]  سورة الإسراء: 10.

[2]  معجم الألفاظ التاريخية في العصر المملوكي، محمد أحمد دهمان، دار الفكر المعاصر: بيروت، الطبعة الأولى: 1990م: 82.

[3]  نسبة إلى أسرة آل أبي خمسين أحد أشهر البيوت العلمية في الهفوف، والتي تولت الزعامة الدينية فيها، وهي من أكثر البيوت العلمية إنجاباً للعلماء من أعلامها الماضين الشيخ حسين بن علي أبو خمسين، والفقيه الشيخ محمد بن حسين آل أبي خمسين «ت: 1316 هـ »، وغيره.

[4]  معجم أعلام الأحساء: 3 / 375.

[5]  لقاء ورسالة من الأستاذ الباحث أحمد بن حسن البقشي، 1 رمضان 1445 هـ .

[6]  صورة النسخة الخطية من الكتاب.

[7]  صورة من النسخة المخطوطة.

[8]  نفس المجموع الخطي السابق.

[9]  المجموع الخطي السابق.

[10]  أعلام هجر: 4 / 225.

[11]  الشيخ موسى بن عبد الله بن حسين أبو خمسين «1298 - 1353 هـ »، وُلِد بمدينة الهفوف، هاجر إلى النجف وهو في الثانية عشرة من عمره، فدرس على علماءها وبلغ الاجتهاد. ورجع إلى بلاده وقد تولى المرجعية الدينية في حدود عام 1325 هـ. اشتغل بالتدريس في الحوزة العلمية التي أسسها عمه المرجع الديني الشيخ محمد آل أبي خمسين في مسجده بمدينة الهفوف. توفي أثناء عودته من سفره من بلاد فارس في مدينة خانقين، على الحدود العراقية وحمل جثمانه إلى النجف ودُفِن بها في الصحن العلوي الشريف، آية الله الشيخ موسى آل أبي خمسين رمز القيادة والمرجعية: 29 - 330.