دهن ”بوكرسي“
بين الماضي والحاضر تفاصيل من الممكن أن تنمحي وتتبدد، لكن بتصرفات أو عقلانيات يتم الحفاظ عليها من الانقراض.
كنت واعتدت أن أحصل على الزبدة مذوبة وجاهزة من أم زوجي كنت كل مرة أطلبها لا تتردد، وكانت تصنعها لي بحب.
في الحديث معها تصف رحلتها في تذويب قوالب الزبدة وبالأخص «زبدة بوكرسي» حيث لها طريقة خاصة وتعليمات دقيقة إذا لم يتم اتباعها.
وتلك الرحلة هي بمثابة كنز منذ أن تعلمتها من أمها تحكي لي الطريقة وهي تخرج أجنحة الحمامات من دماغها لتطير حوالي 50 عاماً ماضية، تهيم في عالم الدقة حيث تزن مقدار قوالب الزبدة مع علبة زبدة بوكرسي معاً على نار هادئة، وقبل أن تميل قطرات السمن إلى اللون الذهبي تضع ثلاث تمرات بقاع «القدر».
ثم تطفئ النار قبل أن تقوم برفعه ليهدأ ضجيج التمرات وتمتزج لزوجة السمن، بعدها تقوم بتصفية السمن بعلبة المعدن المحكمة الإغلاق.
تلك الحكاية سمعتها ملايين المرات، ورأيتها وحضرت تطبيقها العملي بمطبخها، لكن في كل مرة أسمعها وتسرد خطواتها أكاد أن أتشوق للطريقة وكأنني لأول مرة أسمعها، أجزم أنني أكون مستمتعة إلى حد اللذاذة في الوصف قبل الطعم.
جربت عملها بنفسي ونجحت طريقتي ومع ذلك أحب أن أطلبها من خالتي وانتظر انتهاء العلبة لأعيد طلبها منها مجدداً، ذلك الشعور هو سر الطعم.
المثير في ذلك الجدات لديهم تلك الأسرار فتدبير أمور البيت هو من اختصاص من عاشوا رحلة الضيق والعناء، على الرغم من تعليم تلك المناهج بالمدارس حالياً، إلا أنها أقوى لدى لمن عانى الصعاب، السمن المذوب له رائحة تمتزج بخيالاتنا، وتكون معه متلازمة كل الأكلات الشعبية التي تدل على أصالة، وتمسك البيت الأحسائي بالأكلات الشعبية القديمة، تمتزج عذوبة وخنّة الطعم بانصهار السمن.
رائحة البيت تضج بعبق السمن الحنون، مذاقه متأصل بالذاكرة مختصر عناء الأمهات وسر وصفاتهم الشهية هو في تلك العلبة المحكمة الإغلاق.
لا أرى في أمي وتعاملها لـ «دبة الدهن» إلا وكأنه شيء غالي وثمين ونستخدمه للأكلات التي تعزز من ذوقها وطعمها حيث أن الهريس والعيش الحساوي والعصيد هو سر الطعم واللذة.
الجدير بالذكر أن حواف قعر القدر «الجدر» يكون ترسبات ذهبية بعد إمالة السمن إلى اللون الذهبي كلما نظرنا إلى تلك القاع نرى نجاح الوصفة، وذلك كله هو رتابة الوصفة السحرية، الرائحة التي تعبق بالمكان تأخذنا على عالم نتذكر فيه كل الذكريات الجميلة والأصيلة.
جدتي رحمها الله كانت تقول إن لم نر لمعان اليد من أثر الدهن خلال الأكل لا نعتبر ذلك أكلاً، فهي ترى ذلك مقياساً لنجاح الأكلات الأحسائية القديمة.
إلا أننا اليوم نتعامل وبحذر مع تلك الدهون، ونحاول التقليل منها في الأكل وبنفس الوقت لا نحرم أنفسنا من تلك الرائحة الجميلة وكذلك نضع بالحسبان عوامل ترسب الكوليسترول والأمراض المزمنة الشائعة. أمهاتنا لديهن تقديس لتلك الحكاية منذ السنوات الماضية، ولن يأتي عليهن بذكر أو ذم تلك الدهون المترسبة بأوعيتهن الدموية أو تصلب الشرايين وأمراض القلب.
يمكن أن يساهم ارتفاع الدهون الثلاثية في تصلب الشرايين أو زيادة سمك جدران الشريان «تصلب الشرايين»؛ مما يزيد من مخاطر الإصابة بسكتة دماغية، وأزمة قلبية، وأحد أمراض القلب. يمكن أن يؤدي الارتفاع الشديد في الدهون الثلاثية إلى الإصابة بالتهاب حاد في البنكرياس «التهاب البنكرياس».
غالبًا ما يكون ارتفاع الدهون الثلاثية علامة على حالات أخرى تزيد من مخاطر الإصابة بأحد أمراض القلب والسكتة الدماغية، ومن بينها السمنة ومتلازمة الأيض؛ وهي مجموعة من الحالات التي تتضمن كمية كبيرة جدًا من الدهون الموجودة حول الخصر، وضغط الدم المرتفع، وارتفاع الدهون الثلاثية، وارتفاع نسبة السكر في الدم ومستويات الكوليسترول غير الطبيعية.
ممارِسة التمارين الرياضية بانتظام. وضع هدفًا لممارسة النشاط البدني لمدة لا تقل عن 30 دقيقة معظم أيام الأسبوع أو كلها. يمكن تقليل ممارسة التمارين الرياضية المنتظمة الدهون الثلاثية وتزيد مستوى الكوليسترول ”الجيد“. محاولة إدخال المزيد من النشاط البدني إلى المهام اليومية؛ مثل الصعود على الدَّرَج في العمل أو المشي أثناء فترات الراحة.
تجنب السكريات والكربوهيدرات المكررة. قد تسبب الكربوهيدرات البسيطة مثل السكر والأطعمة المصنوعة من الدقيق الأبيض أو الفركتوز كمية الدهون الثلاثية.
إنقاص الوزن. في حال فرط الدهون الثلاثية بدرجة من خفيفة إلى متوسطة، ينبغي التركيز على خفض مستوى السعرات الحرارية. تذكّر أن السعرات الحرارية الزائدة تتحول إلى دهون ثلاثية ويخزنها الجسم في صورة دهون. ومن ثم سيؤدي خفض السعرات الحرارية التي تتناولها إلى تقليل الدهون الثلاثية.
اختيار الدهون الصحية. تناول الدهون الأحادية غير المشبعة الصحية الموجودة في النباتات مثل زيوت الزيتون والكانولا بدلاً من الدهون المشبعة الموجودة في اللحوم. وكذلك يمكنك أن تتناول بدلاً من اللحوم الحمراء الأسماك الغنية بأحماض أوميغا 3 الدهنية، مثل سمك الماكريل أو السلمون. تجنب تناول الدهون المتحولة أو الأطعمة المحتوية على زيوت أو دهون مهدرجة.
إنّ النظام الغذائي الذي يرتكز على كميات كبيرة من الدهون المتحولة أو المشبعة يؤثر بشكلٍ سلبي في صحة الفرد؛ إذ يزيد خطر السمنة والإصابة بمشاكل القلب والأوعية الدموية، وربما زيادة فرصة الإصابة بالسكري وبعض أنواع السرطان، ولكن لأنّ الدهون جزء مهم من النظام الغذائي الصحي للفرد؛ فإنّه يُوصى باختيار الأنواع الصحية «غير المشبعة الأحادية والمتعددة»، مع الحرص على موازنة كمية السعرات الحرارية التي يتم تناولها من جميع أنواع الأطعمة مع كمية السعرات الحرارية المستهلكة خلال اليوم.