آخر تحديث: 3 / 12 / 2024م - 7:35 م

وجوه ملونة

عباس سالم

تقف الطيور مختلفة الأشكال والأنواع فوق الشجر، بعضها نافشاً ريشه وبعضها واضعاً رأسه بين جناحيه وتخدعك أشعة الشمس بتغير لونها ولا تعرف إلى أي فصيلة تنتمي، ومن الثعبان لا يغرك نعومة ملمسه فلربما يلدغك ويرميك صريعاً، كذلك هم بعض البشر فلا تغتر بأشكالها ومظاهرها.

إن ضمير الإنسان عبارة عن مجموعة من المبادئ الأخلاقية تسيطر أو تتحكم في أفكاره وأعماله، وبعض البشر الذين نتعامل معهم مهما اختلفت أعراقهم وأجناسهم، قد يكون لديهم الاستعداد لارتكاب أفعال شنيعة لو أُتيحت لهم الفرصة، طالما ليس لديهم ضمير أو رادع أخلاقي داخلي، قال تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات: آية 40,41].

يحكى أن طائراً جاء إلى بركة ماء ليشرب لكنه وجد أطفالاً بقربها، فخاف منهم وانتظر حتى غادروها، وصدفة جاء رجل ذو لحية طويلة إلى البركة، فقال الطائر في نفسه هذا رجل وقور لا يمكن أن يؤذيني فنزل إليها ليشرب، لكن الرجل رماه بحجر ففقع عينه، ذهب الطائر إلى النبي سليمان شاكياً فاستدعى النبي سليمان الرجل وسأله: ألك حاجة لهذا الطائر حتى رميته؟ فقال لا؛ عندها أصدر النبي سليمان حكمه بأن تفقع عين الرجل، غير أن الطائر اعترض قائلاً: يا نبي الله ليست عيناه من غرر بي، بل لحيته هي من خدعتني يا مولاي، لدى أطالب بحلقها عقوبة له حتى لا ينخدع بها أحداً غيرِ، ولهذا نحن دائماً ما ننخدع بمظاهر البشر، فكم من شخص نظنّه صاحب سوء وهو أطيب خلق الله، وكم من قريب تحسبه ملكاً وهو من الداخل شيطان لعين.

في هذا الزمن المليء بالإغراءات يتنافس الكثير من الناس من الجنسين على لبس الأقنعة وخداع الناس بمظاهر كذابة لامعة وبرّاقة، فهوس الاهتمام بالمظاهر تغلغل في مجتمعاتنا، والتقليد الأعمى أصبح يمارس من مختلف فئات المجتمع، فالبعض يلبس ما تلبسه مشاهير السوشيال ميديا، وآخرون يتفننون في قصات شعورهم ووشم أجسادهم تقليداً على لاعبين أو فنانين مشهورين من مختلف دول العالم.

انتشرت مراكز التجميل وأصبحت في كل زاوية وطريق، وانخدعت حواء بالدعايات الموجهة لها لتغيير مظهرها، وألبسوها جمالاً مصطنعاً ربما تأسف على فعله، فقامت بتسليم جسدها الرباني إلى عمليّات التّجميل والنّفخ والشّفط وتكبير الصّدور وتصغير الأرداف وعمليّات ال ”بوتوكس“ وال ”موتوكس“ والشّدّ والمدّ وغيرها من عمليات شفط الأموال، ناسية أو مُتناسية بأنّ جمالها الحقيقي هو في أخلاقها ومبادئها وعفتها.

ختاماً: أصبح الركض وراء تغيير وتلوين الوجوه عند بعض الناس من الجنسين في مجتمعاتنا أمراً واقعاً، ولهذا لا تتسرع في الحكم على أحد من خلال مظهره، فلربما تصادفك وجوه تحمل البراءة في نظراتها لكن بداخلها حقداً وكراهية، ولا تنخدع في وسائل التواصل بصفحة شخصية تحمل عناوين منمقة فلربما ورائها أحقر أنواع البشر.