آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 8:37 م

مواقف خاصة

الدكتور مصطفى المزعل * صحيفة مال الاقتصادية

في منتصف فصل الصيف، يقود عبد الله سيارته يوميًّا متجهًا لمقر عمله الجديد، يبحث عن موقف ليركن فيه سيارته، فيرى مواقف مظللة ولكنها تبدو خاصة ومغلقة ومحدودة العدد، بينما في الجانب الآخر مواقف أخرى تبدو عامة ومتوفرة، فيتجه للمواقف العامة افتراضًا منه أنها المتاحة له، وأن المواقف المظللة مخصصة لكبار الموظفين فقط، تمر الأيام والشهور وينتهي فصل الصيف - وهو الوقت الذي كان بأمس الحاجة فيه لموقف مظلل - ليبدأ فصل الشتاء ثم يخطر فجأة في ذهن عبد الله أن يتجه لمدخل المواقف المظللة، ليسأل عبد الله رجل الأمن عند بوابة الدخول:“هل بإمكاني الدخول هنا؟ ”فيرحّب به رجل الأمن، ويذكر له أن بإمكانه استخدام هذه المواقف طالما أنه موظف هنا بغض النظر عن منصبه، فتفاجأ عبد الله، وبدأ منذ ذلك اليوم بركن سيارته في هذه المواقف الخاصة.

حصر عبد الله نفسه لشهور في المواقف العامة غير المظللة، وحرم نفسه من مواقف مظللة قريبة من مدخل مقر عمله، بسبب افتراضه أنه في مرتبة لا تخوّله من استخدام هذا الامتياز، في حين أن كل ما كان مطلوبا من عبد الله هو السؤال فقط، أو طلب الدخول لهذه المواقف، وأسوأ ما يمكن أن يجري هو منع رجل الأمن له من الدخول، لكن عبد الله تجنب السؤال، أو الطلب خشية للرفض وتجنّبًا للإحراج، وهذا ما قد يتكرر في العديد من جوانب حياتنا.

العديد من الفرص قد تكون قريبة منّا، متاحة لنا، لكنها بحاجة لمن يقتنصها ويسعى لها، العديد من الامتيازات قد نستحقها ولكنها بحاجة لمن يطالب بها، وهذا مرهون غالبا بشخصية الفرد ومهاراته الاجتماعية، فالكفاءة وحدها قد لا تكون كافية بذاتها لكسب الامتيازات، أو لترقّي الموظف، أو في حصول الطالب على بعثة دراسات عليا من جامعته.

يحتاج المرء بلا شك للتحلي بسمات شخصية تمكنّه من التواصل بفعالية في محيطه، وتجعل من أمر المطالبة بامتيازاته وحقوقه أمراً ليس بالثقيل على النفس، والمربك لها، وهذه السمات لا تُستمد من بين صفحات الكتب، أو صفوف التعليم بقدر ما تُغرس من التنشئة العائلية، والبيئة الاجتماعية التي ينشأ وسطها الفرد.

السلوكيات في المواقف البسيطة أثناء مرحلة الطفولة، كأن ينتزع طفل لعبة ما من يد طفل آخر بكل جرأة، ويصمت آخر عند انتزاع هذه اللعبة من يده، كلها سلوكيات تمتد لتنعكس على شخصياتهما عندما يبدآن مسيرتهما المهنية، ويدخلان معترك الحياة.

الخوف من الرفض كثيرًا ما يمنعنا من الطلب، الخوف من الفشل كثيرًا ما يمنعنا من المحاولة، رغم توفر القدرات، وامتلاك مقومّات النجاح، لنتفاجأ لاحقًا أن الأمر كان أبسط مما توقعنا، غير أننا خلقنا هالة من المخاوف والهواجس حول غاياتنا.

القدرة على تخطي الرفض هي ما تمكّن رائد الأعمال من متابعة تواصله مع المستثمرين لإقناعهم بأفكاره الحالمة، وجلب الاستثمارات لشركته الناشئة، القدرة على تجاوز الفشل هي ما تجعل رائد الأعمال، يعاود الكرّة رغم فشل مشاريعه السابقة، هذه الصلابة النفسية وراء تحمل الإنسان لكثير من ضغوطات الحياة، وتمكُّنه من المبادرة والإقدام لاغتنام الفرص رغم المخاطر.

دكتوراه الإدارة الهندسية التكنولوجية