السفرة دون أبي وأمي
يتميز شهر رمضان المبارك بروح التجمع العائلي، ولا شك أن لوجود الأب والأم طعمًا مختلفًا في تجهيز المكان والمائدة.
منذ ما يقارب خمس عشرة سنة، فقدنا تلك الملاك المباركة، والدتي، التي كانت شمعة البيت، بل شمعة الحياة لجميع الأولاد والزوج.
سبحان الله العظيم، تجري السنوات بسرعة!
حمل الأب دور القائد والمربي وحنان الأم، فاحتوى جميع الأبناء بطيب قلبه وحنانه، وهذا ساهم بشكل كبير في تخفيف جرح الفقد للوالدة العزيزة.
بعدها بسنوات، تزوج الأولاد وحلّ الفرح، وكانت لهجة الوالد العزيز - رحم الله أمك الغالية - هادئة، وكانت تلك الدعوات بكسر قلبه الذي طالما ظل محافظًا على دموعه وانكساره في سبيل تربية الأبناء.
كان الشوق لها قويًّا، وبدعاء في كلِّ سجدة: ”ربِّ اجمعني معها بخيرٍ“.
حكمة الله وروح الصبر والسلوان، الذي تميز به ذاك الجبل - الوالد العزيز - جعل النور يرجع للبيت بابتسامة وهدوء.
فقد البصر وصبر، وفقد الزوجة وصبر، وفقد الأم وصبر، وفقد الخال وصبر.
كورونا مرحلة التغيير..
دخل العالم بتلك الجائحة، وكان للوالد نصيب منها وبقوة.
انكسر عمود البيت، وتشتت النور، وأبي في دوامة التعب والانكسار الذي عاش لسنوات بفقد الوالدة.
...
أبي ماذا حصل؟
ماذا تشعر به؟ تكلم!
ومشت معاناة الكسر برحيل الأحبة.
لم يترك الصلاة ولا الدعاء ولا لمّة الأولاد برغم الكسر الذي كان واضحًا.
أهل البيت سبل النجاة وهم العلاج.
فعلاً، والمنبر ببيت المرعي والعراجنة يشهد له بالحضور والبكاء بمصاب الحسين وأهل بيته.
حين التسليم وشعور الوالد للرحيل للأحبة، غاب عن أهل الدنيا في الصلاة والنوم والبيت، حتى عن أقرب من هم لقلبه: أخيه وابنه وصديقه ”حسين حبيب“.
وبليلة جمعة مباركة، جلس من نومه وعلى مكان العبادة والسجود لله، سقط ذلك النور الذي شهد له من عاشره.
أبي في ذمة الله.
إنا لله وإنا إليه راجعون.
الأهل والأحبة والقريب والبعيد، عظّم الله أجركم وأحسن عزاءكم في فقيدكم البحاري العزيز.
شكرًا لسعي الجميع أحبائي.
بعدها الأولاد والبيت والأحبة، في كسر حقيقي لفقد العزيز الوالد.
على أعتاب باب الله وشهر رمضان المبارك..
أبي مكانك أظلم الدار فصارت موحشة.
أبي أين دعواتك للمؤمنين بكل فريضة؟
أبي أين همسات الذكر لمحمد وآل محمد؟
أبا محمد أيها العزيز، شهر رمضان على أولادك أتى بكسر القلب.
رحمك الله يا والدي ورحم الله والدتي، وحشركما الله في جنات النعيم.
ابنكم أبو كوثر