آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 3:01 م

الأبناء ووجبات الإفطار الرمضانية

المهندس أمير الصالح *

في شهر رمضان، كان جل وقته يضغط على لوحة مفاتيح جهاز التحكم عن بعد ليتنقل من قناة تلفزيونية إلى أخرى، أو من فيلم سينمائي في نتفليكس إلى فيلم آخر. فتمضي ساعات يومه وينقضي شهره وكل حصاده: مشاهدة أكبر عدد من المسلسلات والأفلام والنوم لساعات طويلة!! فأضحى في ذهنه أن شهر رمضان المبارك هو مجرد نوم طويل ومشاهدة مسلسلات تلفزيونية مختلفة وانتظار وقت دخول وقت الإفطار ووقت الإمساك وشرب عصير فيمتو وأكل السمبوسة في وقت الإفطار فقط. كبر ذاك الشاب ولم ينبهه أحد لضرورة استثمار وقته لبناء مجده المهني أو التجاري. فأضحى ذاك الشاب رجلًا، ولكنه جلفن وكلس وجمد تلك المفاهيم في ذهنه وترجمها في سلوكه كلما حل شهر رمضان المبارك، مبررًا كسله بأنه صائم وجائع وعطشان. ونقل هذا النموذج من السلوك لأبنائه، وتفشت ذات الظاهرة بهذا السلوك لمعظم أبناء مجتمعه وعلى امتداد أكثر من عقد من الزمن. فأضحى معظم سكان ذاك الحي عبارة عن مدن أشباح في نهار شهر رمضان المبارك إلا من الأجانب.

وكثر مع مرور الوقت توافد عدد العمال الأجانب الذين يسدون حاجة أولئك الناس النيام للقيام بمعظم الأنشطة التجارية والمهنية والخدماتية. وبلغ الأمر حتى قيام الأجانب غير المسلمين بتحضير أطباق الإفطار في شهر الصيام. فعند مرورك يومذاك متجولًا في تلك الأحياء في شهر رمضان، ترى معظم العمالة وموزعي الأطعمة وكاشير البقالة ومعد الكنافة ومشغل المطاعم ومصلح الأجهزة وعامل الصيانة للتكييف ومشغل المغاسل وبائع الخضار يتجولون داخل الحي وجلهم إن لم يكن كلهم أجانب. وفي المقابل، بعض رجال الحي بالكاد ترى أحدهم؛ لأنه اعتمد حرفيًا على تطبيقات التوصيل للمنازل في كل شيء!!. وامتد سلوك اللهو بالأجهزة الإلكترونية والكسل خلف شاشات الحواسيب والسينما المنزلية من شباب وفتيات ذاك الحي، وازداد بالمقابل عدد العمال الأجانب، حتى أصبح الصيدلي وملمع السيارة وبائع أدوات السباكة والكهرباء ومشغل مكاتب الخدمات أيضًا شخصًا أجنبيًا. وللقصة امتداد، واكتفي بذلك. فكنت أخشى أن يكونوا أولئك مصداق الآية ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ [الأعراف: آية 169]

الإنسان بطبيعته يحب اللهو وكذلك يحب الخير ويحب المال حبا جما ويحب التفاخر ويحب العزة لنفسه ويحب الوجاهة وكل ذلك لا يجتمع إلا بالاعتدال في السعي نحو كل منهم لتحقيقه. شهر رمضان واللهو المفرط أصبح معضلة لبعض الأسر. العبء كل العبء يقع على الأب والأم، وبعض الأبناء أصبح أيقونة كسل نهارًا والسهر كالبومة ليلاً.

ثمرات اللهو:

يعلم الأغلب ويفعل البعض، وكما روي على لسان الإمام علي : ”اللهو يسخط الرحمن، ويرضي الشيطان، وينسي القرآن“.

وعنه : ”مجالسة أهل اللهو ينسي القرآن، ويحضر الشيطان“.

وعنه : ”اللهو يفسد عزائم الجد“.

وعنه : ”لا تفن عمرك في الملاهي، فتخرج من الدنيا بلا أمل“.

وعنه : ”أبعد الناس من النجاح المستهتر باللهو والمزاح“.

وعنه : ”من كثر لهوه استحمق“.

وعنه : ”من كثر لهوه قل عقله“.

وعن الإمام الصادق : ”فإن الملاهي تورث قساوة القلب وتورث النفاق“.

ثمرة النوم الطويل في نهار رمضان: أمر غير حسن، ونختصر القول بذلك.

ثمرة حب المال حبا جما: إن لم يكن ببصيرة وتقوى، فسيؤدي للمهالك، وإن كثر طرق كسب المال في العالم الرقمي.

من الجيد أن نجدد أنشطتنا ونرفه عنها ونقضي بعض الوقت لمشاهدة فيلم أو مسلسل أو مباراة كرة قدم مع أفراد الأسرة/الأصدقاء الطيبين، ولكن علينا أن لا نغفل عن إجادة المتاجرة مع الله في كل شهور السنة، لا سيما في شهر رمضان المبارك من جهة. وكذلك من جهة أخرى، نربي أنفسنا ونربي أبناءنا على المساهمة في أداء الفروض المنزلية، سواء في إعداد وجبات الإفطار/السحور اليومية أو في غسيل الأواني أو في تنظيف البيت. شباب وفتيات المجتمع الكرام، أنتم ثمرة الوطن ومهجة الفؤاد، فكونوا كما كان الأجداد محل الافتخار وصناع للمجد وشاركوا وقتكم مع أهلكم لخلق ذاكرة جماعية جميلة.