آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 1:26 م

شهر رمضان المبارك طريق للتقوى

عباس سالم

مع إطلالة شهر رمضان المبارك يتزاحم الناس بالرقص على أنواع الطعام وأشكاله وألوانه محملاً في العربات التي تتمايل بها الأيدي بين ممرات مراكز التمويل، وفي الجهة المقابلة نرى المشاهد التلفزيونية التي تبثها لنا بعض المحطات الفضائية عن حالات الجوع والفقر، ونتأمل حالات موت الإنسان جوعاً في بعض دول العالم.

الصيام في شهر رمضان المبارك ليس إحساساً بالجوع وإنما هو طريق للتقوى، فالمشاهد والصور بعيون الكاميرات الرقمية التي تقذفها لنا وسائل الإعلام المرئية العربية والعالمية بين الفينة والأخرى عن حالات الفقر والجوع المخيفة في العالم، صوراً ربما تأخذها بعض المحطات العالمية للتسويق إلى حالة الذل والهوان التي تعانق الإنسان في زمن الرفاهية! والذي وصل به الحال إلى البحث عن فتات الخبز في مجمعات القمامة.

يمرون على صور الأطفال الجوعى، ولا أحد يسأل عمن تسبب في ضياع مستقبل براءة الطفولة، فِي ظل هذا الجوع الذي يخرج من بين جفافه دموعاً، وذلاً، وحاجة، لا أحد يسأل عن مصير هذه النفوس البريئة عندما تكبر، والتي سوف تكون محطمة ومهمشة ولا قيمة لها حتى في عالمها الغريب، وستعيش في طوابير الذل والركوع ولن تشفع لها فنون الأدعية التي يتفنن بها الراقصون على إشباع البطون حتى التخمة.

في شهر الصيام تقوم المحطات الفضائية بعرض المسلسلات الهابطة التي تتراقص فيها الأعين إلى نظرات النساء الجميلات في شهر رمضان الكريم، لكنه لا أحد يهتم لنظرات الجائعين..! وحينما تتمايل أجسام الممثلات الجميلات بعمليات التجميل وخدع أنواع المكياج، وتصطف النساء خلف التلفاز بنظرات الإعجاب، وتزعم أن نظراتهم لافتة تضيء أسرار الحياة، لا أحد يلتفت للطفل الجائع الذي يحوي داخله أصدق الأسرار، ولا يكتشفها إلا من ذاق بؤس الفقر والجوع والحرمان.

في إحدى جلساتي مع بعض كبار السن في بلدتي تحدثت معهم كي يتحدثوا عن أيام مرت عليهم في الزمن الماضي، فاستذكروا تضحيات الآباء والأجداد في زمن ما قبل اكتشاف البترول، كيف كانت قسوة الحياة ومعاناتها، والتي لم تزدهم تلك المعاناة والقسوة إلا ارتباطاً بتراب الوطن، ويقولون إن هذا البلد مرت عليه حالات من الفقر والجوع، حيث كانوا حفاةً يلبسون الخيش وأخواتها لتغطية عوراتهم، ويأكلون“الحشائش" وما تنبته الأرض، وهاجر الكثير من الناس إلى أماكن أخرى بحثاً عن لقمة العيش.

هذه المشاهد تفرض على كل إنسان في هذا الوطن الغالي، وبالذات الجيل الجديد من الشباب أن يستحضروها دروساً لتهذيب النفس في شهر رمضان المبارك، وأن يبتعدوا عن طوابير الاستغلال عند المقاهي في انتظار كأساً من القهوة بأغلى الأثمان! فقد جاءت هذه لتذكرهم بأن ما ينعمون به اليوم من خير ورفاهية، هي هبة من الله سبحانه وتعالى، الأمر الذي يستوجب علينا جميعاً شكره والمحافظة على نعمته من الزوال.

وفي الختام: مبروك عليكم قدوم شهر رمضان المبارك، ولا أظن بأن سلوكياتنا في هذا الشهر الكريم ستتغير، طالما نرى طوابير من البشر في مراكز التمويل يسحبون عرباتهم المحملة بمختلف الأطعمة، وفي المطاعم لأجل الحصول على وجبة دسمة ربما لا نعرف مصادر لحومها، فإذا كانت هذه سلوكياتنا في شهر الصيام، فهل يذكرنا جوعنا بحرمان الآخرين؟.