آخر تحديث: 3 / 12 / 2024م - 7:35 م

مذكرات أمل «8-9»

رضي منصور العسيف *

«8»

كانت رحلة مصر رحلة سعيدة، وفي نهايتها انبثق لنا نور الأمل، عندما قابلنا الدكتور ونصحنا بمراجعة مستشفى الملك فهد الجامعي بالخبر، وحدد لنا اسم صديقه الدكتور.

عدنا للسعودية حاملين معنا الفرح والسرور والأمل...

كان أبي طوال الرحلة يفكر في مستشفى الملك فهد الجامعي.. كيف لم يخطر ببالي مراجعة هذا المستشفى الجامعي؟! ضحك أبي وكان يقول سابقا كنا نطلق عليه مستشفى التعليمي، لم أدخله يوما ما، بحث أبي عن التقارير الطبية، وجدها وفي الصباح الباكر توجه ناحية المستشفى..

سأل عن الدكتور أحمد عمار استشاري جراحة مخ وأعصاب، قال له موظف الاستقبال غدا موعد عيادته..

قال أبي ألا يمكن مقابلته اليوم عندي حالة مستعجلة.

نظر إليه موظف الاستقبال وقال يمكن أن تعمل له نداء، اذهب إلى هناك وأشار إلى «مكتب علاقات المرضى».

ذهب أبي وطلب من الموظف عمل نداء للدكتور أحمد عمار.

قال الموظف نحن لا نعمل نداء إلا في الحالات الحرجة، فهل حالة مريضكم حرجة؟!

نظر إليه أبي وصمت وغادر المكتب.

عاد إلى موظف الاستقبال وأخبره بما جرى.

قال الموظف هل لديك تقرير طبي؟!

أجابه أبي نعم ها هو.

قال الموظف اذهب لمكتبه هناك أظنه متواجد الآن.

نظر إليه أبي وشكر حسن تعاونه.

ذهب أبي لمكتب الدكتور، طرق الباب، سمع صوتا من الداخل، تفضل..

دخل، سلم على الدكتور واعتذر منه لأي إزعاج سببه له.

قال الطبيب تفضل ما هي مشكلتك..

قال أبي ليست مشكلتي ولكنها مشكلة ابنتي وهذا هو التقرير.

استلم الدكتور التقرير وبدأ يقرأ وأبي ينظر إليه..

بعد دقائق رفع الدكتور رأسه وقال أين هي ابنتك؟

قال أبي: في البيت..

قال الدكتور أحضرها غدا صباحا للعيادة..

قال أبي هل هناك أمل في أن تمشي...

ابتسم الدكتور وقال أحضرها غدا وسأقوم بفحصها وبعدها نقرر...

عاد أبي للبيت حاملا معه الأمل.

توجه ناحيتي وقال غدا سنذهب للمستشفى التعليمي.. لقد قابلت الدكتور وقرأت في عينيه الأمل بشفائك يا ابنتي..

فرحت كثيرا وقلت هل صحيح سأمشي هل صحيح يا أبي..

أجابني بإذن الله

نظرت ناحية أمي وقلت لها سأمشي يا أمي سأمشي

ابتسمت وفي عينها دمعة الفرح وقالت. إن شاء الله.. الله يحقق أمنيتك يا حبيبتي...

في اليوم التالي ذهبت مع أبي وأمي للمستشفى ودخلنا على الدكتور أحمد عمار الذي رحب بنا كثيرا وقال هل هذه هي الأميرة أمل.

أجبنا نعم..

ابتسم وقال لنبدأ الفحص...

بدأ الفحص وقرأ التقرير مرة أخرى..

قال أبي عفوا يا دكتور هناك نقطة لم أخبرك بها.

سأله الدكتور ما هي؟!

قال أبي لقد تعرضت ابنتي لحادث سيارة منذ شهور.

توقف الدكتور عن الفحص وصمت.. وبدأ يكتب كلمات في نموذج طبي. ثم سلمه لأبي وقال

علينا أن نعمل أشعة جديدة ونطمئن على جهاز الشنط..

قال أبي لا تقلق يا دكتور الجهاز سليم..

قال الدكتور أرجوك اذهب واعمل أشعة فقط..

عملت الأشعة وبقينا للظهر...

انتهى الدكتور من جميع مرضاه ثم نادى علينا.

فتح الدكتور جهاز الحاسب وبدأ يشاهد الأشعة ويدقق النظر، ثم توجه إلينا وقال الحمد لله الجهاز سليم وليس بحاجة للتبديل، ولكن...

توقف الدكتور عن الكلام

قال أبي ولكن ماذا؟!

توجهت أنظارنا إليه..

قال ولكن هذه الحالة من الصلب المشقوق ليس لها علاج..

نزل الكلام كالصاعقة علينا..

كنا نعلم أن الحالة صعبة ولكن كان لدينا أمل بالعلاج كنا نتفاءل بأن هناك نقطة ضوء..

قال الدكتور يؤسفني أن أخبركم بهذا الخبر.

بقينا صامتين..

هممنا بالخروج من العيادة ولكن الدكتور قال انتظروا لم أنهي الحديث بعد..

مسحت دموعي

قالت أمي بصوت مبحوح، وماذا هناك أيضا.

قال أبي نعم يا دكتور تفضل أكمل حديثك...

قال الدكتور سوف أعمل للأميرة الصغيرة تحويل لجراحة المخ والأعصاب للأطفال.. وسوف أحولها أيضا لقسم المسالك البولية. ستكون لكم متابعات مستمرة معنا في هذا المستشفى..

تقدم أبي بشكره والثناء عليه.

خرجت من العيادة وأنا صامته.. لا أرغب بالحديث.

وصلنا البيت

استقبلنا أخوتي وقال بشرونا ماذا قال الطبيب هل ستمشي أمل..

انحدرت دموعي على خدي وهززت رأسي وقلت.. لا

قال أبي ستمشي في يوم ما...

«9»

تخرجت من المرحلة الابتدائية، وانتقلت للمتوسطة، ولايزال الوضع كما هو، الكرسي المتحرك لا يزال يرافقني أينما أذهب، لقد تعودت عليه، وتعودت على نظرات الناس عندما يشاهدوني كنت أقرأ في عيونهم الشفقة والعطف، وكنت أردد مع نفسي الحمد لله أقصى مبلغ الحمد... الحمد لله رب العالمين.

في أحد الأيام ذهب أبي للقطيف المدينة المشهور بالسمك والنخيل..

دعاه أحد الموظفين معه لشراء السمك الطازج والأنسب في السعر.

وصل أبي القطيف واستقبله صديقه «علي» وقال: أهلاً وسهلاً بك أخي العزيز أبا خالد في القطيف. ما رأيك قبل أن نذهب لسوق السمك أن تذهب معي للسلام على عمي فهو مريض ونعتبر هذه زيارة ولك أجر وثواب الزيارة.

ابتسم أبي وقال لك ما تريد هيا بنا.

وصلا للبيت...

كان الباب مفتوحا وأصوات الرجال تسمع في الخارج.

قال أبي هل هذه ديوانية أم أنها زيارة مريض؟!

قال علي: دعنا ندخل لترى ما بالداخل.

دخل أبي.. ليجد نفسه في مجلس صغير ممتلئ بالحضور وأغلبهم كبار السن...

سلم عليهم..

وصل إلى رجل كبير في السن، عليه سمات الوقار والصلاح.

كان الرجل طريح الفراش.

قال علي: هذا عمي أبو أحمد.. ثم استطرد وقال يا عمي هذا صديقي أبو خالد من الدمام جاء ليسلم عليك...

ابتسم أبي وعرف المغزى من هذه الزيارة.

سلم على الحاج أبو أحمد وطلب له الشفاء.

تابع أبي السلام على الحضور وكان كل رجل يبادل أبي بالتحية والابتسامة. حتى وصل لرجل في نهاية الثلاثينات من عمره، يجلس على الكرسي المتحرك، مد أبي ليسلم عليه.

قال علي: وهذا ابن عمي.. هذا ابو محمد.. هو ابن عمي وأشار للعم ابو أحمد..

مد أبو محمد وصافح أبي وقال أهلا بك أبا خالد... شرفتنا وأسعدتنا بهذه الزيارة.

جلس أبي وهو ينظر تارة للعم أبو أحمد وتارة أخرى لولد أبو محمد.. والحيرة تملأ عقله..

تحدث الحاج أبو أحمد وقال حياك الله يا أبا خالد أسعدتنا هذه الزيارة..

لقد أخبرني علي عن حال ابنتك أمل عافاها الله..

نظر أبي لناحية صديقه علي وكأنه يعاتبه لماذا أخبرهم بحالة أمل.

ابتسم علي وقال نعم يا عمي أبا خالد عنده طفلة مثل القمر..

قال الحاج أبو أحمد: ربي يحفظها من كل سوء، الحمد لله على كل حال. هذه الحياة بها أنواع من الابتلاء ولكل بلاء حكمة، نحن لا نعلم عنه شيء ولكن علينا أن نشكر الله ونحمده دائما.

قال أبو محمد الحمد لله على نعمه التي لا تعد ولا تحصى..

كان أبي يستمع لحديثهم وهو مندهش من هذه الروح وهذا التسليم.. استمرت الجلسة نصف ساعة ولكنها كانت مليئة بالعبر والإيمان والمحبة.

في نهاية الجلسة قال أبي شكرا لك أبا أحمد على هذه الضيافة واسمح لي بالمغادرة.

قال أبو أحمد كيف تغادر غذاؤك اليوم معنا..

قال أبي أشكركم لكرمكم..

قال أبو أحمد إذا لا ترفض هديتنا. ثم قال يا حاج ابراهيم هل عندك رطب خلاص؟

أجابه الحاج ابراهيم نعم موجود..

قال أبو أحمد: قدم للضيف صندوقين..

ثم قال وأنت ياحاج عبدالله هل عندك ليمون؟

قال الحاج عبدالله نعم موجود.

قال أبو أحمد وأنت أيضا قدم للضيف الغالي صندوقين

وقف أبي منبهرا من الضيافة وحسن الخلق.

ابتسم الحاج أبو أحمد وقال لا تقطع زيارتنا، هذا بيتك الثاني.

عند خروج أبي قال ألو محمد تفضل يا أبا خالد.. خذ هذه الظرف به ورقة تهمك كثيرا..

*همسة أمل*

أحياناً يغلق الله سبحانه وتعالى أمامنا باباً لكي يفتح لنا باباً آخر أفضل منه، ولكن معظم الناس يضيع تركيزهم ووقتهم وطاقتهم في النظر إلى الباب الذي أُغلق، بدلاً من باب الأمل الذي انفتح أمامهم على مصراعيه.

للقصة بقية

كاتب وأخصائي تغذية- القطيف