آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 3:01 م

ما أسرع ساعة الموت تنال من الأحياء...

حسن المرهون

في ليلة مباركة، هي ليلة النصف من شهر شعبان، جاء كعادته إلى المسجد ليصلي صلاتي المغرب والعشاء. أخذ مكانه في الصف الأول، وليس بعيدًا عن إمام المسجد. أذن المؤذن، وأقيمت الصلاة. صلى الجميع صلاة المغرب، وفي ختامها قرأ ”الحاج أبو منير“ الدعاء... وأي دعاء... [فتمت كلمتك صدقًا وعدلًا، لا مبدل لكلماتك، ولا معقب لآياتك، نورك المتألق وضياؤك المشرق والعلم النور في طخياء الديجور...] وختم ”الحاج أبو منير“ الدعاء بالصلاة الابتهاجية: ”أفضل الصلاة والسلام عليك يا رسول الله“. فامتلأ المسجد بالصلوات والتبريكات بفضل الدعاء الذي قرأه ”الحاج أبو منير“ في ليلة ذكرى مولد آخر الأنوار المحمدية. صافح المصلون بعضهم البعض، والابتسامة والبشرى تعلو محياهم.

بعدها، شرع إمام المسجد بأذان الإقامة استعدادًا لصلاة العشاء. وقف معظم المصلين للتهيؤ لإقامة الصلاة، ومن بينهم ”الحاج أبو منير“ الذي كان بالصف الأول وبالقرب من إمام المسجد. والإمام يقرأ: ”حي على الصلاة... حي على الفلاح...“ وإذا بالحاج أبو منير يسقط على الأرض، وسمع الجميع صوت ارتطامه على الأرض. هرع المصلون الذين بجواره إليه. توقف إمام المسجد ولم يأت بتكبيرة الإحرام. تأكد المصلون بأن الحاج أبو منير فاقد للوعي. تم الاتصال فورًا من قبل أحد المصلين بالهلال الأحمر. وحاول آخر البقاء على فم المصاب مفتوحًا، وآخر يحاول جس النبض بأصابعه على رقبة المصاب أحيانًا وعلى يده أحيانًا أخرى. وتم فتح الباب الجانبي للمسجد لدخول تيار الهواء، كما تم تشغيل المرواح الجدارية القريبة. ولعدم وجود طبيب من بين المصلين، حاول بعض المصلين القيام ببعض الإسعافات الأولية لكنهم لم يتمكنوا من ذلك.

وبقي الجميع ينتظر وصول سيارة الإسعاف. واتضح مؤخرًا وجود ثلاثة على الأقل من المصلين لديهم المعرفة بالإسعافات الأولية والإنعاش القلبي الرئوي، لكن لم تتح لهم الفرصة بالقيام بأي عمل. وأصبح اتخاذ القرار السليم غائبًا عن المشهد لعدم وجود أخصائي أو طبيب.

بعد قرابة الربع ساعة، وصلت سيارة الإسعاف إلى باب المسجد، رغم صعوبة الوصول إلى المسجد لأن معظم الشوارع الرئيسية مغلقة في هذه المنطقة بسبب مشروع الهدم.

دخل أول مسعف من الهلال الأحمر إلى المسجد واتجه نحو المصاب. وأول عمل قام به هو الإنعاش القلبي الذي كان يجيده بعض المصلين المتواجدين. واستمر المسعف بالضغطات القوية والسريعة على الصدر حتى جيء بالسرير وتم حمل الحاج أبو منير إلى سيارة الإسعاف وإلى المستشفى. وبعد وقت قصير تم الإعلان عن وفاة ”الحاج أبو منير“ رحمه الله.

نعم الأعمار بيد الله. وهنيئًا للحاج أبو منير هذا الرحيل في هذه الليلة المباركة وفي المسجد وبعد أن صلى صلاة المغرب وقرأ الدعاء، ولا يستبعد أنه كان صائمًا حيث يستحب الصيام في مثل هذه الأيام.

لكن يبقى سؤال علينا أن نسأله: ما هو دور الحاضرين في مثل هذه الحالات، وخاصة من يمتلك ولو معرفة قليلة بالإسعافات الأولية؟ وكيف نتعامل مع المصاب ومع الأشخاص المحيطين بالمصاب وأقربائه؟

كانت هناك ربع ساعة من الوقت بين سقوط الحاج أبو منير ووصول سيارة الإسعاف. ولم يستطع أي من المصلين من فعل أي شيء سوى فتح الباب وتشغيل المراوح ومروحة المصاب بقطعة من الورق المقوى وفتح فم المصاب ومحاولة معرفة إذا كان يتنفس أو إذا هناك نبض في الرقبة أو اليد. كل هذا جيد، لكن مع وجود بعض المصلين لهم معرفة ولو قليلة في الإنعاش القلبي ولم يعملوا أي شيء أو لم يسمح لهم بالقيام بأي شيء، فهذا غير جيد. مرت الخمسة عشر دقيقة وكأن على رؤوس من في المسجد الطير.

نعيد ونكرر أن الأعمار بيد الله، وكل إنسان له يومه الذي كتبه الله له. لكن للمرة الثانية والثالثة، ينبغي علينا أن لا نخجل من أن ثقافة إسعاف الآخر في الظروف الحرجة عندنا متدنية وغير كافية لاتخاذ القرار السليم. وأننا بحاجة، مع عدم وجود الطبيب المختص، إلى المعرفة الكافية وحسن التصرف.

رحم الله ”الحاج أبو منير“ برحمته الواسعة.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
فؤاد ابو محمد
[ القطيف ]: 26 / 2 / 2024م - 1:34 م
رحمه الله رحمة الأبرار وحشره مع السادة الأطهار عليهم السلام وخلف عليه بالجنة ، نعمت الخاتمة فالمكان والزمان كليهما مبارك