آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

ثقافة الحياء من الله

رضي منصور العسيف *

قال لي أحد الأصدقاء: لا أزال أذكر حصة العلوم في المرحلة المتوسطة عندما شرح لنا الأستاذ علامات البلوغ، ثم توقف دقيقة ونظر إلينا وقال: في هذه المرحلة عليكم أن تخافوا الله، تخلقوا بصفة الحياء من الله.

يقول صديقي يومها لم أكن أعي هذه الصفة حتى وصلنا لهذه المرحلة من التقدم في وسائل الاتصالات... وصار اليوتيوب يعرض على أبنائنا كل صفة وكل لقطة قبيحة... حتى أصبحت المشاهد الفاسدة والمخجلة في متناول أيدي أطفالنا...

ولذا نحن في أمس الحاجة إلى نشر ثقافة الحياء من الله

ماذا يعني الحياء من الله؟

الحياء بشكل عام هو خُلق يبعث على فعل الجميل ترك القبائح، وهذا ما ورد عن الإمام علي : الحياء يصد عن الفعل القبيح [1] .

الحياء من الله «بالتحديد» هو عنوان مراقبة الله، وهو يعني أن تعلم أنه تبارك وتعالى مطلع عليك في كل حال، وفي أي وقت من الأوقات وأينما تكون، فهو لا تخفى عليه منك خافية، بل هو يعلم ما توسوس به نفسك، وهو أقرب إليك من حبل الوريد.

وهذا ما نقرأه في القرآن حيث يقول تعالى:

﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى [العلق: 14]، ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء: 1] ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [البقرة: 265]

وإذا كان هناك أنواع من الحياء فإن ”أفضل الحياء استحياؤك من الله“ [2]  كما يقول الإمام علي ، ويتجلى وجوب الحياء من الله في أوقات الخلوات، ولذا ورد عن الإمام الكاظم قوله: استحيوا من الله في سرائركم كما تستحيون من الناس في علانيتكم [3] .

كيف ننمي الحياء من الله في أنفسنا؟

يمكن ذلك عبر العديد من الممارسات العملية نذكر منها:

- استحضار مراقبة الله تعالى ونظره للعبد حيث يقول تعالى: ”وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ“ الحديد [4] 

- استحضار رؤية الملائكة: روي عن رسول الله ﷺ: ليستح أحدكم من ملكيه اللذين معه، كما يستحي من رجلين صالحين من جيرانه، وهما معه بالليل والنهار [4] .

- الاقتداء بسيرة أهل البيت والصالحين:

روى طاووس الفقيه في أحوال الإمام زين العابدين: رأيته يطوف من العشاء إلى سحر ويتعبد، فلما لم ير أحدا رمق السماء بطرفه، وقال: إلهي غارت نجوم سماواتك، وهجعت عيون أنامك، وأبوابك مفتحات للسائلين،... «حتى قال» فواسوأتاه غدا من الوقوف بين يديك، إذا قيل للمخفين جوزوا، وللمثقلين حطوا، أمع المخفين أجوز؟ أم مع المثقلين أحط؟ ويلي كلما طال عمري كثرت خطاياي ولم أتب، أما آن لي أن أستحي من ربي؟! [5] 

يقال أن عارفا تاب بعد ذنب، وكان بعد ذلك يبكي كثيرا قيل له: لم هذا البكاء؟ ألا تعلم أن الله تعالى غفور؟ قال: بلى، قد يعفو سبحانه. ولكن كيف أبعد عن نفسي الإحساس بالخجل، وقد رآني أذنب؟!

آثار الحياء من الله

للحياء من الله آثار عدة، فهذه الصفة تجعل من الإنسان طاهراً نقياً، بلا خطايا كما ورد عن الإمام علي : الحياء من الله يمحو كثيرا من الخطايا [6] .

والحياء منبع الفضائل حيث يقول رسول الله ﷺ: أما الحياء فيتشعب منه اللين، والرأفة، والمراقبة لله في السر والعلانية، والسلامة، واجتناب الشر، والبشاشة، والسماحة، والظفر، وحسن الثناء على المرء في الناس، فهذا ما أصاب العاقل بالحياء، فطوبى لمن قبل نصيحة الله وخاف فضيحته [7] .


[1]  ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 1 - الصفحة 717

[2]  [3]  ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 1 - الصفحة 719

[4]  ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 1 - الصفحة 719

[5]  بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 46 - الصفحة 81

[6]  ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 1 - الصفحة 719

[7]  ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 1 - الصفحة 717
كاتب وأخصائي تغذية- القطيف